للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاذعة وإنسانيه، ذبيحة ذلك النصر، الذي حققته الحرية، وهذه المسيرة المنتصرة للحضارة عبر الصحراء، بينما في قلب الشتاء كان البرد قارصاً وكان ثلاثة أو أربعة آلاف جندي يطاردون السكان الأصليين الرحل، الذين يخطون آخر خطواتهم نحو الانقراض، وهم يحملون جرحاهم ومرضاهم وأطفالهم الرضع وعواجيزهم إلى حافة الموت ... مشهد مؤثر لا يمحى أبدا من الذاكرة (١).

لقد كان المستوطنون الجدد الأمريكيون البيض بمنتهى الغدر والجحود تجاه مساعدة الهنود لهم، ولولا هذه المساعدة لما أمكنهم البقاء، ولما تم لهم ذلك ومع هذا لم يكونوا يشعرون بأي دين تجاههم أو أي واجب أخلاقي، بل أن هؤلاء الوافدين جاهروا بازدراء عقائد الهنود واحتقارهم، بل ذهب (كوتون ماذر) أحد أبرز المفكرين الأميركيين إلى اتهام الهنود بأنهم يعملون تحت إمرة (إبليس)، وإنهم قدموا إلى الولايات المتحدة لكي يمنعوا الأناجيل من فرض سلطانهم المطلق عليها (٢).

[استعباد الزنوج]

لم يكن البيض الذين هاجروا من بريطانيا بمحض إرادتهم العنصر الوحيد في مجتمع المهاجرين الذي نما في المستعمرات، بل كانت هناك مصادر أخرى في مقدمتها تجارة الرقيق، وترحيل المستعمرين المساجين أصحاب السوابق إلى أمريكا وأستراليا، حيث كانت المشكلة الأساسية، التي واجهت المهاجرين الأوربيين في العالم الجديد، هي توفير الأيدي العاملة لهذه المساحات الشاسعة من الأرض، التي استولوا عليها بالقوة من السكان الأصليين. فقد كان هناك الهنود الحمر بالطبع، ولكن أنفتهم تأبى الاستعباد، ولذلك كان لابد من توفير العمال من بين فقراء الإنجليز، ومن أصحاب السوابق، ولكن ثبت أن العمال البيض أقل صلاحية للعمل في الولايات الجنوبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وقسوة المناخ على عكس الرقيق السود الذين كانوا أكثر تحملاً وأسهل قياداً (٣).


(١) أمريكيا طليعة الانحطاط - جارودى ص٥٢
(٢) صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد - ص٧٤ـ٧٥
(٣) أمريكا و أزمة ضمير - محمد جلال عناية -ص٣٤

<<  <  ج: ص:  >  >>