بعد أن عرضنا للخلفية الدينية المتطرفة للرئيس بوش، فإن ما يهمنا هنا بالدرجة الأولى، هو التعبير السياسي لها، والذي تجلى بعد أحداث ١١ سبتمبر، في ذلك الخطاب الديني المتطرف، الذي يشبه إلى حد كبير الخطاب الديني، الذي كان سائداً إبان الإمبراطورية الرومانية، وتكفي عودة سريعة في هذا الصدد إلى جملة خطابات وتصريحات الرئيس بوش، التي أعقبت أحداث سبتمبر، للتيقن التام من ذلك، فعبارات الحرب العادلة والحرب الصليبية، (وهي العبارة التي نطق بها الرئيس بوش) ثم عاد فلحسها تحت وطأة المخاوف التي أبدتها بعض أوساط النخبة الأمريكية الحاكمة من عواقبها، فضلاً عن تقسيم العالم إلى معسكر خير وآخر للشر، تتقاطع كلياً مع تخريجات السلطة الدينية الكنسية، في عصر الإمبراطورية الرومانية التي ابتدعتها لإسعاف القيادة السياسية في الإمبراطورية، من تحقيق أهدافها الاستعمارية على بلدان المعمورة قاطبة. فالخطاب هو الخطاب، واللغة هي اللغة، والمفردات هي المفردات، لا يكاد يفرقها عن بعضها بعضاً سوى الزمن والمكان اللذين صيغت وخطت وقيلت فيهما، والشخوص الذين صاغوها وخطوها ونطقوا بها، فهل نقول ما أشبه الليلة بالبارحة؟ يبدو أن الأمر كذلك .. أو ليس التاريخ في بعض فصوله، يعيد إنتاج نفسه مرة بصورة مأساوية، وأخرى بصورة تراجيدية (١).
نعم إن التاريخ يعيد نفسه، ولكن هذه المرة ليس بناء علي تخريجات سلطه كنسية، بل بناء علي رغبة جماعات مسيحية يمينية متطرفة، استطاعت السيطرة على مقاليد الحكم في أمريكيا، وتمكنت من الدفع بقيادة سياسية متطرفة إلي البيت الأبيض، ممثلة بجورج بوش الابن، الذي فاق سابقيه جميعاً في تأثره بالتخريجات اللاهوتية لسياسته، والتي كان أشهرها عبارة (الحرب الصليبية) التي وصف بها حربه على أفغانستان، حيث حاول البعض التقليل من شأنها، واعتبارها زلة لسان، متغافلين عن الكم الهائل من التعبيرات الدينية التي زخر بها خطابه السياسي.
فما يصدر عن رئيس اكبر دوله في العالم لا يمكن أن يكون زلة لسان، بل انه يعنى ما يقول حرفياً، ويبدو إن هذه كانت زلة لسان على النمط الفرويدي لا زلة لغة،
(١) حول علاقة الدين بالدولة الأمريكية الحديثة / محمد الصياد ـ جريدة الخليج ١٥/ ٢/٢ .. ٣م عدد٨٦٧٢