يبدأ سيناريو هرمجيدون ـ حسب يوحنا اللاهوتي ـ بما يسميه (أناشيد الظفر في السماء)، محاولاً تبرير هذه المعركة الرهيبة، فيقول:"لأنه أدان العاهرة الكبرى ـ بابل ـ التي أفسدت الأرض بزناها وبفسوقها، وأنتقم لدم عبيده منها". وبعدها مباشره يصور يوحنا مشاهد هذه المعركة فيقول:"ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً واسمه كلمة الله، وتبعته جيوش السماء على خيول بيضاء، وقد كتب على ثوبه وعلى فخذه: ملك الملوك ورب الأرباب. ورأيت الوحش وملوك الأرض وجيوشهم مجتمعين لشن الحرب على الجالسين، على الفرس وجيشه، فقبض على الوحش، وعلى النبي الزائف معه، وألقي الاثنان أحياء في بحيرة النار المتقدة بالكبريت، والباقون قتلوا بسيف الجالس على الفرس المنبعث من فمه، وجميع الطيور شبعت من لحومهم"(سفر الرؤيا ـ الفصل ١٩).
ففي معركة هرمجدون، كما في كل معركة طرفان يتصارعان، وفي النهاية يخسر واحد، وينتصر آخر. وبما أن معركة يوحنا، هي معركة كونية فاصلة بين عالمين، فقد استعار لها يوحنا الكثير من الصور الغائمة المبهمة، أخرجها بصيغ من الألغاز والرموز، وبلسان الرائي: "ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً. بالعدل يحكم ويحارب. عيناه كلهيب نار، وعلى رأسه تيجان كثيرة، وله مكتوب لا يعرفه أحد إلا هو. مستربل بثوب مغموس بدم، ويدعى اسمه كلمة الله. من فمه يخرج سيف ماض، لكي يضرب به الأمم. وهو سيرعاهم
(١) يشبه سفر الرؤيا سفري دانيال وأخنوخ من حيث الشكل. ولقد كانت رؤى النبوءات الرمزية أحد الأساليب التي يلجأ إليها يهود ذلك العصر في كثير من الأحوال؛ ووجدت رؤى أخرى غير رؤى يوحنا، ولكن هذا السفر سما عليها جميعاً في بلاغته الجذابة. ويستند الكتاب إلى العقيدة الشائعة التي تقول إن حلول ملكوت الله يسبقه حكم الشيطان، وانتشار الشرور والآثام، فيصف حكم نيرون بأنه هو بعينه عهد الشيطان، ويقول إنه لما خرج الشيطان وأتباعه على الله غلبتهم الملائكة جيوش ميخائيل، وقذفت بهم إلى الأرض فقادت العالم الوثني هجومه على المسيحية. ونيرون هو الوحش وعدو المسيح في هذا الكتاب فهو مسيح من عند الشيطان، كما أن يسوع مسيح من قبل الله. ويصف روما بأنها "الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنى معها ملوك الأرض"، "وسكر سكان الأرض من خمر زناها" وهي "زانية بابل" مصدر جميع الظلم والفساد، والفسق والوثنية، ومركزها وقمتها. هنالك ترى القياصرة المجدّفين المتعطشين للدماء، يطلبون إلى الناس أن يخصّوهم بالعبادة التي يحتفظ بها المسيحيون للمسيح.