للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التنظير الجديد لـ (باكس أميركانا)]

كما كان (روديارد كبلينغ) , الكاتب والروائي والشاعر البريطاني المشهور في ذروة قوة الإمبراطورية البريطانية, يكتب مدافعاً عن الاستعمار البريطاني من منطلق (مسؤولية الرجل الأبيض) إزاء (تحضير وعصرنة) بقية العالم, تطور في السنوات الأخيرة منظرون أميركيون يسوغون للإمبريالية الأميركية الجديدة إستراتيجيتها وأهدافها في العالم. ففي حربي أفغانستان والعراق كان كثير من التنظير الأكاديمي الذي يُساق مدافعاً عن مسوغات الحرب، يقوم على قاعدة شعور أميركا بالمسؤولية التاريخية بكونها قائدة العالم للتدخل من أجل جلب الحرية والتحضر والسلام للشعب الأفغاني والعراقي. وفي قلب التنظير الجديد لـ (باكس أميركانا) المعاصرة تقع الدعوة إلى الديمقراطية, بكونها الهبة الأميركية التي تحملها الدبابات الأميركية إلى البلدان التي تعاني من الاستبداد.

وعلى كل حال الأهم من التنظير هو الفعل, فشبكة القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة على أرض المعمورة مخيفة ولا تترك زاوية من زوايا الأرض إلا وعليها وجود للجيش الأميركي. لكن الأمر المدهش للغاية أنه رغم هذا التواجد الإمبريالي الهائل في طول وعرض الكرة الأرضية، ما زال المواطن الأميركي العادي مقتنعاً بأن بلاده بلاد مسالمة ولا تعتدي على أحد, وإنما تتعرض للاعتداءات من قبل الآخرين. فالحكومات الأميركية المتعاقبة كانت ذكية بما فيه الكفاية، بحيث لم تجعل أمر هذه القواعد العسكرية علنياً ومطروقاً, بل أحيل دائما إلى قائمة الأسرار العسكرية, وبهذا تحالف الجهل العادي مع التجهيل المقصود. ومن هنا فإن ردة الفعل الأميركية الشعبية على تفجيرات١١ سبتمبر٢٠٠١ كانت في الكثير من جوانبها مفاجئة للعديدين حين تبدت سذاجة الرأي العام الأميركي إزاء الشؤون الخارجية والقناعة شبه العامة لدى الأميركيين بأن بلدهم وحكوماتهم ليست سوى أحمال وديعة في عالم من الأشرار (١).


(١) الفيروس الأميركي .. فضح الإمبرطورية الأميركية- تحرير: جون بيلامي فوستر وروبرت دبليو ماكشنسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>