ونعتقد ان هذا الامر يمكن ان يتكرر لو تمكن المسلمون من وضع الهجمة الصليبية الجديدة في اطارها الصحيح كما فعل اجدادنا الاوائل، الذين لم ينتصروا الا بعد ان استطاعوا فهم طبيعه هذه الهجمة وطبيعة الرد المطلوب عليها. فالبرغم من ان نظرة الاوربيين للحملات الصليبية الأولى كانت نظرة دينية لاسترجاع القبر المقدس من ايدى المسلمين، الا انه في المقابل كان المؤرخون المسلمون الذين كتبوا عن الحروب الصليبية- في بدايتها- يرونها حملات عسكرية توسعية اقتصادية ولم يربطوها أبدا بالدين المسيحي، كما هو الوضع الآن. غير ان الامر اختلف كلياً مع ظهور عماد الدين زنكي الذي بدأ حملة مضادة لمواجهة الصليبيين، واستعيدت من جديد قيم الجهاد وأفكاره لتجميع المسلمين في مواجهة الصليبيين، وتحولت الحرب لدى المسلمين من علمانية للتحرير والدفاع إلى حرب ممزوجة بالكرامات الدينية، وتصاعدت الوتيرة الدينية للحرب بمجيء محمود نور الدين زنكي بعد مقتل أبيه عماد، فقد كان محمود بخلاف أبيه متديناً (١). ونعتقد ان مواجهة الصليبيون الجدد يكون من خلال وضع هذه الهجمه في اطارها الصحيح من حيث اهدافها وطبيعتها، وكيفية مواجهتها وهذا ما حاولناه في هذا الكتاب.
[من هم الصليبيون الجدد .. ؟]
اول خطوة في المواجهة هي تحديد المفاهيم وبالذات المقصود بـ (الصليبيون الجدد) حتى لا يختلط علينا الامر. فمواجهة المسيحية الصهيونية بما تشكله من خطر على المنطقة والعالم، يتطلب حشد كافة الامكانيات والجهود الخيره في العالم. ولكن نظراً لارتباط تسميتها بالمسيحية فإنه من الضروري ازالة هذا اللبس، وفصل الحب عن القشور، حيث يعتبر ذلك الخطوة الأولى في المواجهة. فكما وضحنا خلال هذا الكتاب وفي مناطق مختلفة الفروقات بين الطوائف المسيحية المختلفة في نظرتها إلى العلاقة باسرائيل والنبوءات التوراتية، وهو امر مهم حتى لا تختلط علينا الامور. فنحن لا نهدف إلى القول بأن كل مسيحيي العالم يؤمنون بخرفات الصهيونية المسيحية، بل إن هذا الأمر مقصور فقط على اتباع المذهب البروتستانتي الذين
(١) الحرب المقدسة .. الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم- كارين أرمسترونغ-عرض/ إبراهيم غرايبة