للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باتساعها وازدهارها الحاضر، ليس لديها ما تضيفه إلى عظمتها. ولكن فلسطين على صغر مساحتها تنتفخ ضخامة في مخيلة العالم، حتى أن كل إمبراطورية مهما كانت عظيمة، قد ترفع من مكانتها ومركزها بامتلاكها لها. إن ضم فلسطين إلى الإمبراطورية البريطانية سوف يزيد حتى في لمعان التاج البريطاني، وسيشكل جاذباً شديد القوة لشعب المملكة المتحدة والمملكات المستقلة، خصوصاً إذا ظهر كوسيلة معلنة لمساعدة اليهود على احتلال البلاد من جديد. هناك عطف واسع الانتشار، وعميق الجذور في العالم البروتستانتي، على فكرة إرجاع الشعب العبراني إلى الأرض التي أعطيت ميراثاً له، وهناك اهتمام شديد بتحقيق النبوءات التي توقعت ذلك مسبقاً" (١).

[الدافع الديني ووعد بلفور]

بالرغم من أن اللورد بلفور كانت له دوافعه السياسية والعسكرية التي سعى إلى تحقيقها من وراء إعطاء هذا الوعد للحركة الصهيونية، إلا أننا لا يجب أن نغفل أثر ثقافته الدينية التي لعبت دوراً حاسماً لصالح صدور هذا الوعد، حيث يبدو أن اللورد بلفور كان ينتظر بفارغ الصبر وقوع فلسطين تحت السيطرة البريطانية، حتى يحقق مطالب الحركة الصهيونية والنبوءات الواردة في العهد القديم، مثله في ذلك مثل الجنرال (اللينبى) الذي قال مقولته المشهورة عندما دخل مدينة القدس ـ "ها قد عدنا يا صلاح الدين، اليوم انتهت الحروب الصليبية! " (٢).

فاللورد بلفور كان بروتستانتينياً مؤمناً، ترعرع في أحضان التقاليد البروتستانتية الإسكوتلندية، بكل ما تحمله من حب للعهد القديم، وإيمان شديد بضرورة عودة اليهود إلى فلسطين كمقدمة لعودة المسيح المنتظر. وعن ثقافته تقول ابنة أخته ومؤرخة حياته، (بلانش دوغويل): "لقد تأثر منذ نعومة أظفاره بدراسة التوراة في الكنائس، وكلما اشتد عوده زاد إعجابه بالفلسفة اليهودية، وكان دائماً يتحدث باهتمام عن ذلك، وما زلت أذكر أنني في طفولتي اقتبست منه الفكرة


(١) المصدر السابق ـ ص ٢٣٧.
(٢) الاستعمار وفلسطين ـ رفيق النتشة ـ ص ٢٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>