لقد كان وصول المهاجرين اليهود إلى اراضي الدولة العثمانية ـ ومنها فلسطين ـ يستقبل بعدم المبالاة، وينظر اليه نظرة انسانية، خاصة ان هؤلاء المهاجرين كانوا يأتون للاقامة من اجل العبادة، ويهربون من المذابح التي يلاقونها في بلاد اخرى ليست من العالم الإسلامي. ولا يعقل ان يخطر ببال المهاجرين الاساءة إلى العرب في قطرهم وهم الذين رحبوا بهم وافسحوا لهم صدرهم الآن وعلى مدى عصور التاريخ (١).
[ظهور الصهيونية والعداء لليهود]
هكذا نجد ان المعاملة الطيبة، التي لا مثيل لها في أي بلد آخر، التي لاقاها اليهود في العالم الإسلامي لم تتغير الا بعد نشوء الصهيونية التي ابتكرها ورعاها، وخطط لها ونفذها المستعمرون غير اليهود اولاً ثم حفنة من عملائهم اليهود الصهاينة بعد ذلك كحل لمشكلة اليهود في اوروبا وتحقيقاً لنبوءات توراتية. فهذا العداء- كما يقول الشيخ القرضاوي- لم نبتكره نحن لسنا الذين اخترعنا هذا العداء .. اليهود عاشوا بين المسلمين وبين ظاهراني المسلمين قرون عديدة حتى حينما اضطهدتهم أوروبا ولفظتهم أوروبا لم يجدوا صدرا حنونا ولم يجدوا كهفا يؤوون إليه ويعيشون فيه آمنين مطمئنين إلا دار الإسلام .. أوطان المسلمين هي التي وسعتهم. ولكن عندما احتل اليهود أرض فلسطين وشردوا أهلها وفعلوا ما فعلوا فهم الذين بدؤوا بالعداء ولم نبدأ نحن بالعداء.
ويضيف: بل أنا أقول ربما كان اليهود أقرب إلى المسلمين من ناحية العقيدة ومن ناحية الشريعة أكثر من المسيحيين لأن اليهود لا يؤلهون موسى ليست عندهم عقيدة تثليث هم لا يؤلهون موسى كما يُؤله المسيحيون عيسى ابن مريم هم من ناحية الشريعة في كثير من الأشياء يتفقون مع المسلمين. النصارى لا يذبحون اليهود يذبحون، النصارى لا يختنون أبناءهم اليهود يختنون، النصارى لا يحرمون الخنزير اليهود يحرمون الخنزير .. النصارى لا يحرمون التماثيل ومعابدهم وكنائسهم مليئة بالتماثيل اليهود يحرمون التماثيل، أشياء كثيرة يتفق فيها اليهود مع
(١) موقف عرب فلسطين من الهجرة اليهودية الصهيونية (١٨٨٢ ـ ١٩١٤م) -د. اسماعيل احمد ياغي - ص٣.