للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهذا هو (المثل الأعلى) الذي يتحتم على شعوب العالم إن تلهث وراءه؟ أهذه هي بتعبير (فرنسيس فوكوياما): (نهاية التاريخ) حيث لا تبذل بعدها ولا تحول ما دام الإنسان قد بلغ الحالة القصوى من التقدم والتحرر؟. تقدم باتجاه ماذا؟ وتحرر من ماذا؟ أليست هي بدء التحليل ومنتهاه وفي ضوء التأشيرات أنفة الذكر، نكسة كبرى في تاريخ البشرية حيث يتحكم القطب الأحادي بمصائر العالم، وحيث يتحول السعي البشري إلى لهاث محموم للتكاثر بالأشياء .. وحيث تتسطح الحياة وتفقد عمقها وعذوبتها وغناها ومغزاها .. وحيث تخترق منظومة القيم الانسانيه والخلقية والدينية بحلقات السوء التي تنتشر كالبثور السود .. كالطفح المتقيح .. كالسرطان المخيف في نسيج المجتمعات (١).

صورة "درويش"" ... ولا عجب (٢) http://alarabnews.com/ مختارات/الساخر%٢٠ - %٢٠العالم%٢٠بين%٢٠شفتيّ%٢٠أمريكا%٢٠كرشفة%٢٠''الكوكاكولا''%٢٠وقضمة%٢٠''الهمبرجر''%٢٠ (!) _ files/pixel.gif

الصورة المعنية، تكاد تستعصي على جهابذة الفكر الإنساني العالمي. إلاّ أن بعض ملامحها، قد قرأها بدقّة وشفافيّة، واستشرافيّة، الشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش، من خلال قصيدة: (خُطبة الهندي الأحمر - ما قبل الأخيرة - أمام الرجل الأبيض)، التي نشرها في العام ١٩٩٢ (أيّ بعد نهاية الحرب الباردة بعامين فقط)، ضمن ديوان: (أحد عشر كوكباً). وكان الأجمل من تفاصيل القصيدة الطويلة، تلك الكلمة التي قالها أحد زعماء الهنود الحُمر (اسمه سياتل، وهو زعيم قبيلة دواميش)، ليضعها درويش كمدخل للقصيدة (٣)،

حيث قال فيها ذلك الزعيم: "هل قُلت موتى؟ ... لا موت هناك، هناك فقط تبديل عوالم (!) "


(١) مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) - د. عماد الدين خليل - ص١٥٣
(٢) بين شفتيّ أمريكا .. كرشفة ''الكوكاكولا'' وقضمة ''الهمبرجر'' (!) - بقلم: أمين الإمام - http://alarabnews.com/alshaab/GIF/٢٠-٠٩-٢٠٠٢/a١٤.htm
(٣) أشاد الجنرال شارون بالشاعر محمود درويش وعبر عن إعجابه بشعره، وبأنه يحسده وشعبه الفلسطيني على تلك العلاقة الوجدانية بالأرض والتي يجسدها درويش في قصائده، على الرغم من حملة الإبادة والاعتقال والتهجير التي يمارسها الجنرال ضد الشعب الفلسطيني، وهو موقف يذكرنا بموقف الجنرال جورج واشنطن مع الزعيم الهندي الأحمر "ستايل"، الذي كشف في خطبته الشهيرة ب "خطبة الهندي الأحمر الأخيرة"، قسوة ووحشية حملات الإبادة التي مارسها الجيش الأمريكي ضد الإنسان الهندي الأحمر والأرض والحيوان، ومما قاله "ستايل" في خطبته "زعيم واشنطن الكبير (يقصد جورج واشنطن) يقول لي أنه صديقي، ومعجب بي، وأنه يكن لي مودة عميقة، ولكنه يخبرني أيضاً بأنه إذا لم نعطيه بلادنا سوف يجيئنا مدججاً بسلاحه وينتزعها".
ورغم التشابه التام بين موقف وأسلوب شارون وواشنطن في التعامل مع الشعبين أصحاب الأرض، الفلسطيني والهندي الأحمر، إلا ان واشنطن كان واضحاً وصريحاً مع الزعيم الهندي الأحمر أكثر مما يفعله ويقوله الجنرال شارون تحت شعارات وإدعاءات تكون مواربة ومستترة، لخداع المجتمع الإنساني والرأي العالمي.

كما ان الخلاف بين زعيم الهنود الحمر ومحمود درويش يبدو كبيراً أيضاً، رغم تشابه موقفيهما من المعتدي المحتل، إذ ان الزعيم وقع على استسلام تاريخي وهو لا يزال يملك العدة والعتاد، بينما يرفض الشاعر التوقيع بإصرار تاريخي، مع انه يعلم ان سلاحه الوحيد الذي يحمله غصن زيتون يابس.
أيها الواقفون على العتبات
ادخلوا واشربوا معنا القهوة العربية
قد تشعرون بأنكم بشر مثلنا
أيها الواقفون على عتبات البيوت
اخرجوا من صباحاتنا
حتى نطمئن انكم بشر مثلنا"
جميعنا يعلم ان محمود درويش ليس زعيماً ولا سياسياً وسبق وأن رفض الوزارة وجميعنا يعلم أيضاً انه ظل يمتطي صهوة القصيدة العربية، وانه يتجاوز نفسه في كل مرحلة، لتصبح قصيدته الشهادة والوثيقة على زمن عنصري ظالم يتغاضى عن كل الحقوق والشرائع والدساتير، لقد أصبح محمود درويش وطناً في قصيدة تجسد كل الخريطة الفلسطينية، التي تعبر عن حب الشعب الفلسطيني للحياة المحروم منها كبشر، بعد أن غرس في كل عربي قلباً فلسطينياً هذا القلب يؤمن أن الحياة لن تخذله، وأن الأرض لا تعود إلى الإنسان، بل هو الإنسان الذي يعود إليها، مشياً على الأقدام أو زحفاً على الأيدي. (أفق بغصن زيتون يابس / شارون معجب بشعر درويش - نواف يونس- جريدة الخليج الإماراتية١ - أيار / ٢٠٠٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>