تقول كاتبة غربية:"إنه ليس من الممكن أن ترمى قنبلة على العراق دون أن تصيب مكانا أثريا. ولئن صدقت في كلامها, فعلينا أن نمسح دموعنا دائما على الموروث الحضاري الكبير, خصوصاً إذا عرفنا أنه في بغداد ينتصب أقدم قوس حجري في العالم، ويعد العراق من أثرى مناطق العالم أثرياً، ففيه بدأت الحضارة قبل حوالي ستة آلاف عام, وفيه ظهرت الكتابة المسمارية, كما تطورت فيه الرياضيات, وعلم الفلك, وتم اختراع العجلة. وفي منطقة (أور) الجنوبية, ولد النبي إبراهيم ـ عليه السلام ـ وشيدت أولى الأحجار هناك, كما وضعت في بقايا عاصمة الإمبراطورية البابلية على يد ملوك مثل (نبوخذ نصر) و (حمورابي) أولى القوانين, بالإضافة إلى أن الآشوريين, والسومريين, والأكديين, تركوا بصماتهم في تلك المنطقة"(١).
وبالرغم من هذه القيمة الكبيرة للآثار العراقية, وأهميتها للحضارة الإنسانية، فقد مثل ما حدث من نهب, وسلب, وتدمير لهذه الآثار مأساة عظمى ليس للعراق فقط، بل للحضارة الإنسانية. وهنا يصف الفنان التشكيلي العراقي (نداء كاظم) الذي كان شاهداً على ما حدث من تخريب وحرق وهدم وسرقة للمتحف الوطني في بغداد, ولكثير من المكتبات منها، المكتبة الوطنية التي نُهبت وحُرقت, فيقول: "بدأ النهب والسلب, وحرق كل مظاهر الحضارة والثقافة، وذلك بأيدي خفية ومنظمة ومدفوعة، الفوضويون يسرقون المواد والحلي وما شاكل ذلك، أما الذين يسرقون الفكر ويحرقوه ويدمروه فهذه مسألة أخرى. لقد سُرق المتحف الوطني والأعمال التي لم يستطيعوا سرقتها بدءوا يهشمونها، ثم سُرقت المكتبة الوطنية، وفي الليل حُرقت، ودخلها ناس متسترين وحرقوها، وسُرقت مكتبة الوثائق والمخطوطات وحُرقت، وسُرقت مكتبة الأوقاف، وهذه من أهم المكتبات النفيسة، وحُرقت ـ أيضاً ـ .. إن عملية حرق بغداد منظمة .. منظمة وورائها ناس من خارج البلد .. حُرق مركز صدام
(١) الاثار في العراق بين ايدي لصوص الحضارات - محمد سيدي - الجزيرة نت