وفقاً لمقاييس القوة يقدم (جوزف ناي) في كتابه (مفارقة القوة الأميركية)، خريطة طريق أو إستراتيجية جريئة لإعادة تعريف المصالح الوطنية الأميركية في عالم جديد متغير، كشفت أحداث ١١ سبتمبر أنه يتضمن فرصة انكشاف الولايات المتحدة وتعرض مؤسساتها ومصالحها للعطب، رغم تفوقها دون منافسة والقوة الهائلة التي تتمتع بها. فالولايات المتحدة تهيمن على العالم على نحو لم يسبق أن حققته إمبراطورية أو قوة من قبل في التاريخ، فهي تسيطر على التجارة والاتصالات والاقتصاد، بالإضافة إلى قوتها العسكرية الحاسمة، ويمتد تأثيرهاـ كما يقول وزير الخارجية الفرنسي السابق (هوبير فيدرين) ـ إلى اللغة وأساليب الحياة والثقافة والفكر.
وبالرغم من ضخام القوة الأمريكية، إلا أن ثمة جدال كبير إزاء مدى إمكانية استمرار هذه الهيمنة وخطورتها أو ضرورتها من وجهة نظر الأميركيين، إذ إن تاريخ السياسة الدولية يقضي باستحالة استمرار القوة والهيمنة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو, إلى متى ستبقى الولايات المتحدة القوة العظمى المتفردة في العالم؟ لقد انحسرت قوى ودول عظمى هائلة كثيرة، وقد تنبأ الكثيرون بانحسار وتراجع الولايات المتحدة من قبل، ولكنها في التسعينيات عادت من جديد قوة عظمى، وربما أعظم من أية فترة سابقة، فقد كانت قائدة ثورة المعلومات والعالمية والاتصالات. وكما أتاحت الثورة الصناعية لبريطانيا أن تظل القوة المهيمنة الأولى لأكثر من مائة عام, فقد تتيح المعلوماتية للولايات المتحدة عقوداً من الهيمنة والتفوق. وفي المقابل تبدو فرص لقوى ودول أخرى منافسة لا تقل أهمية وتأثيراً عن الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا وأوروبا، أو لتحالفات ممكنة بين اليابان وشرق آسيا، والصين والهند وروسيا (١).
(١) مفارقة القوة الأمريكية: لماذا لا تستطيع القوة العظمى ... / تأليف جوزيف س. ناي، تعريب محمد توفيق البجيرمي- الرياض، السعودية: مكتبة العبيكان، ط.١ ٢٠٠٣.