بحريتهم القومية ووحدتهم واستقلالهم، مما جعلهم يغرقون إلى الأسفل، فالأسفل" (١).
[هرتسل ومؤتمر بازل]
مع انتشار كتابات وأفكار المفكرين اليهود، أمثال الكعى وكالشر وهس وبنسكر وغيرهم بين اليهود في دول أوروبا، أصبح الجو مهيئاً لتوحيد جهود المؤمنين بهذا النهج الجديد من خلال حركة يهودية عامة، تزعمها هيرسل مؤسس الحركة الصهيونية، الذي اخذ ينشر أفكاره بين اليهود وغيرهم من المسيحيين البروتستانت، حيث من الملاحظ أن الحركة الصهيونية في مبدأ أمرها لم تلقَ قبولاً واسعاً بين اليهود، في حين أثارت حماساً شارف الهوس بين المؤمنين المسيحيين المتحمسين لتوفير متطلبات المجيء الثاني. وبالمقابل، كانت أقوى معارضة للصهيونية من جانب المتدينين اليهود من الأرثوذكس (المتمسكين بحرفية العقيدة)، واليهود الشرقيين، وبعض الحاخامات، واليهود الإصلاحيين.
وقد ظل موقف اليهود المتدينين من الحركة الصهيونية متمسكاً بالشك وعدم الاطمئنان، في أفضل حالاته، وبالرفض الصريح والمناوأة في اشد تلك الحالات، كما في هذه الكلام للحبر المتدين صدوق من لوبلين الذي قال: "أن أورشليم ارفع الذرى التي تتطلع إليها قلوب اليهود .. لكنى أخشى أن يبدو رحيلي وصعودي إلى أورشليم كما لو كانا علامة على تحبيدى للنشاط الصهيوني. وأنى لاتضرع إلى الرب، وان روحي لتتلهف إلى كلمته، وأني لأتمنى من كل روحي أن يكون يوم الفداء آت. وأنى لانتظر بكل يقظة وقع أقدام مسيحه الذي وعدنا به. لكنى، حتى وان عذبت بثلاثمائة قضيب محمى بالنار، لن أتحرك من مكاني، ولن اصعد إلى أورشليم لصالح الصهيونيين. ولقد بلغ إيمان اليهود الأرثوذكس بشيطانية الحركة الصهيونية أن الحاخام يوسف حاييم أعلن بملء (الفم)، عندما زار تيودور هرتزل فلسطين، أن "الشر قد دخل الأرض المقدسة معه" وقال: "إننا لا نعرف حتى الآن ما الذي يمكننا أن
(١) فلسطين، القضية ـ الشعب ـ الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص ٣٢٣