أمريكي كفقراء كثير منهم مشردون دون مأوي. وفي كل مدينة أمريكية كبيرة توجد أحياء فيها فقر مدقع، وبذلك توجد عوالم ثالثة في أمريكا نفسها. وقد وصف (روبرت إي دافولي) المدير التنفيذي لإحدى الشركات الأمريكية العملاقة، النظام الأمريكي بقوله: إن الرأسمالية هي انحراف وتضليل. لدينا أعلي معدلات الجريمة في العالم، ولدينا أناس يعيشون علي قارعة الطريق دون أن يلقي أحد لهم بالاً. فقد أفرز نظام الرأسمالية الاستعمارية المستمد من القيم الدينية البروتستانتية، تفاوتاً وعدم مساواة بين الأمم علي صعيد العالم كله، وهو أمر آخذ في التزايد. وهناك ٣٥٨ مليارديرا يتربعون علي ثروة مجمعة تعادل إجمالي ما يملكه أفقر ٢.٥ مليار إنسان علي ظهر الأرض (١).
[أمريكا تقف في صف الله وتنفذ إرادته]
لم يقف أثر الأفكار الدينية عند هذا الحد، بل ساعدت التقاليد البيوريتانية في تشكيل فهم الأمريكيين لأنفسهم فهماً جماعياً، إذ لدى الأمريكيين استعداد ـ على سبيل المثال ـ للاعتقاد بأن الازدهار الوطني الدائم الذي ينعمون به يعود إلى ما يتحلون به من فضيلة. ويشكل يوم عيد الشكر الوطني بقية من هذا التقليد الميثاقي. أما النظير المقابل لذلك، وهو أيام الصيام والتوبة التي تمارس على الصعيد الوطني، فكان أقل شعبية لديهم رغم أن الرؤساء احتفوا بهذه الأيام بين الحين والآخر حتى في القرن العشرين. وعندما تبدو الأمور وكأنها تسير نحو الأسوأ درج القوم على تقليد وطني قديم يزعم أن الأمة تواجه المصائب لان الناس فقدوا الفضائل المفترضة التي تحلى بها أجدادهم. وقد أطلق على هذا النوع من التفجع الوطني اسم (الارميادة) نسبة إلى النبي أرميا، الذي ورد في العهد القديم من الكتاب المقدس، وما يحمل السفر المسمى باسمه من نذر وتشاؤم بسبب ابتعاد إسرائيل عن الله، وعن قواعد الأخلاق القويمة. وظهرت الارميادة في المواعظ البيوريتانية
(١) إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم - المؤسسة العربية للتوزيع والنشر- ط١ ٢٠٠٣ القدس العربي ٢٧/ ١ـ ٣/ ٢/٢٠٠٣م