منذ البداية، كان الأمريكيون يرون أنفسهم استثناء من المسار الطبيعي للأمم، لنجاحهم في إقامة الجمهورية الأولى منذ العصور الكلاسيكية، حيث اعتبروا أنفسهم واضعي اللبنات الأولى لتاريخ إنساني جديد كلياً. وبوصفة كذلك كان لا بد من حمايته من التلوث بالتعويل على ـ أساليب شعوب التاريخ القديم أو تبنيها. وفي الوقت ذاته كان الأمريكيون مقتنعين أنهم طليعة البشرية، وما لبثوا أن أصبحوا يرون أنفسهم، حسب كلام (ملفيل)، "الشعب المختار المميزـ إسرائيل هذا الزمان". وإذا كان الأمريكيون هم الشعب المختار، فإن أمريكا هي الأرض الموعودة. وكانت عبارة (القدر المكتوب)، هي عنوان العقيدة القائلة بوجوب قيام الأمريكيين بإيجاد دولة ممتدة من البحر إلى البحر. ومع حلول سنة ١٨٨٥م أصبح ذلك واقعاً. كان بالطبع واقعاً تحقق على حساب المكسيك، التي خسرت نصف أراضيها في حرب أشعلتها أمريكا، وعلى حساب الهنود الحمر من السكان الأصليين الذين تمت إبادتهم إبادة شبه كاملة. غير أن ذلك الواقع مر دون إثارة اهتمام ذي شأن في ذلك الوقت، مغلفاً بالخطاب الذي أطلق عليه الرئيس (اندرو جاكسون) اسم (توسيع مساحة الحرية)(١).
فقد ضمنت الولايات المتحدة بواسطة الإبادة الخالصة للهنود الحمر، وبالاستعباد الاجتماعي والسياسي للسود، دائرة أولى تمكنها من الانطلاق نحو غزو أوسع، حيث كانت أهم تواريخ التوسع في هذه الدائرة، تعاظم "الأمة حين ابتيعت لويزيانا من نابليون، عام ١٨٠٨م". وفي العام ١٨٢٣م حدد الرئيس (مونرو) المبدأ الذي يحمل اسمه، مبدأ الحياد ذو الطابع الدفاعي الموجه ضد أي تدخل أجنبي في شؤون القارة الأميركية، واستعملت هذه العقيدة لاحقاً لتعميم التوسع الإقليمي، وأن للولايات المتحدة وحدها حق حراسة الأمريكيين، والتي كانت تعني بكلمات واضحة
(١) لدولة المارقة - الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية - كلايد برستوفتز - تعريب فاضل جتكر - ص٤٤