للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أسبوع إلى ما لا نهاية، مثل هذا التخيل كان سيذهل بولس، فبالنسبة له كان الوقت قد انتهى أو قارب، ولا مجال للبدء بديانة جديدة من الصفر".

هذه العقيدة المتعلقة بنهاية العالم، والتي روج لها بولس، تكشف إلي أي درجة سار بولس علي خطى أحبار اليهود، كما أنها تزودنا بوسيلة قيمه لفهم نظرياته الاجتماعية فيما يتعلق بالمحافظة على الأوضاع الراهنة، وعدم محاولة تغيير أي شيء في الأمور الفردية البسيطة. فعلى الأغلب أنه اعتقد بعبث وعدم جدوى محاولات التغيير طالما الوقت الباقي قصير جداً، وأن المسيح وقتما يعود في القريب العاجل سيقوم هو نفسه بإحداث التغييرات الجذرية على أية حال، ولذلك كتب: "بسبب الأزمة الراهنة اعتقد من الأفضل لكم أن لا تغيروا شيئاً، هل أنت متزوج؟ لا تطلب الطلاق، هل أنت عازب؟ لا تبحث عن زوجه، الزواج ليس إثما ولكن من يتزوج يواجه المتاعب في الجسد أريد أن أغنيكم عنها، وأنا أقول لكم أن الوقت ـ الباقي قليل" (رسالة بولس الأولى إلى أهل كورينثوس ٧/ ٢٦ـ٢٩). ولعله نصح الناس بعدم الإقبال على الزواج، لهذا السبب إذ كتب: "من الحسن للرجل أن لا يتزوج" (رسالة بولس الأولى إلى أهل كورينثوس ٧/ ١).

وهكذا كان هاجس بولس بنهاية التاريخ سبباً لإصراره من البداية على تجاهل رسالة عيسى الدنيوية، واعتقاده بعدم أهميتها. فطالما أن المخلص سيعود قريباً جداً عاجلاً غير آجل، فينتهي تاريخ العالم، وتتأسس مملكة الله على الأرض، فلا يمكن أن يكون هنالك من مغزى أو هدف للمجيء الأول لعيسى، سوى أنه كان أضحية إلهيه، ذبحت على الصليب، لتكفر عن خطايا البشر قبل النهاية المقبلة، وكذا انصبت كافة جهود بولس التبشيرية في هذه النقطة (١).

[سفر الرؤيا والمسيح اليهودي]

مع أن الأحداث برهنت خطأ توقعات بولس، فقد استمر بعضهم بالاعتقاد بها، حيث جاء بعده، بعدة سنوات يهودي آخر هو (يوحنا اللاهوتي ـ مؤلف سفر الرؤيا)، ليكرر تنبؤات مماثلة، مستقاة من التوراة اليهودية التي جاء المسيح ـ عليه السلام ـ


(١) المسيحية والإسلام والاستشراف - محمد فاروق الزين ص١٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>