لنقضها، وليعزز ما قام به بولس من إعادة المسيحية إلى أحضان اليهودية، هذا بالرغم من أن الكنيسة لم تعترف بسفر الرؤيا في البداية، غير أنها في أوقات لاحقه قررت إدخال سفر الرؤيا ضمن العهد الجديد، فجعلته جزءاً من الكتاب المقدس رغم فشل نبوءات يوحنا بشكل سافر، مثلما فشلت قبله نبوءات بولس.
والرؤيا كتاب وضعه يوحنا اللاهوتي في أواخر القرن الأول، في جزيرة بطمس بتركيا، التي كان قد نفي إليها في أثناء الاضطهاد الشديد على الكنيسة، وهو موجه أصلاً إلى الجماعات المسيحية في آسيا الصغرى، لتشديد عزيمتهم، وحضهم على الثبات في المسيح رغم المحن. فكما وضع أنبياء اليهود مؤلفاتهم الرؤيوية في أوقات أزمة وأزمنة شدائد، لإعطاء أمل بقرب تدخل يهوه لصالح شعبه، وضع يوحنا اللاهوتي كتاب الرؤيا، في اشد أوقات المصاعب تأزماً في تاريخ المسيحية، حيث يطالعنا الكاتب بمشهد يظهر فيه المسيح قائلاً:"هذه رؤيا أعطاها الله ليسوع المسيح، ليكشف لعبيده عن أمور لابد أن تحدث عن قريب. وأعلمها ليوحنا عن طريق ملاك أرسله لذلك"(رؤيا يوحنا اللاهوتى ـ الإصحاح الأول). ثم يدون يوحنا الرسائل التي أمره بإبلاغها إلى الكنائس السبع. وبعد ذلك تتوالى الإِعلانات المتعلقة بما سيحدث في آخر الزمان من ضيقات وبلايا وأحداث رهيبة، وحروب تنتهي بهزيمة إبليس وجنده. ثم ينهي الكاتب رأياه بوصف الدينونة في اليوم الأخير، وينتهي إلى وصف الحالة الأبدية، حيث يتم النصر للمسيح في السماء الجديدة والأرض الجديدة، إذ يتحقق الخلاص النهائي للمؤمنين على يد المسيح المنتظر!! (١).
هذا السيناريو الذي وضعه يوحنا في رؤياه ليس له أي صله بالمسيح والمسيحية، التي بشر بها عيسى عليه السلام، بل انه مستقى بالكامل من التوراة اليهودية الحاقدة بكل ما فيها من ولع بالدمار وإزهاق الأرواح، وعشق للدم، والتي سطرها كهنتهم، ونسبوها إلى إلههم (يهوه) الذي سينتقم من كافة الأمم في آخر الزمان على يد مسيح يهودي، محارب "عيناه كلهيب نار .. متسربل بثوب مغموس بدم"(رؤيا ١٩:١٢). و "رجلاه شبه النحاس النقي كأنها محميتان في آتون .. وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه"(رؤيا ١٥:١). وهنا يمكن ملاحظة أن صورة المسيح
(١) الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي - جورجي كنعان ص ١١٧