يستمد التراث الديني في كُلٍّ من بريطانيا وأمريكيا، أصوله من المذهب البروتستانتي السائد في هاتين الدولتين، والذي نشأ مع حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر في القرن السادس عشر ضد الكنيسة الكاثوليكية في روما. ولسنا هنا بصدد بحث تفصيلي لمبادئ هذا المذهب، بقدر ما سنحاول إبراز التغيير الجوهري الذي أحدثه هذا المذهب في تفكير أتباعه حيال اليهود ـ ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم ـ والذي ساعد كثيراً على تعاطف الكثيرين من أتباعه مع اليهود وسعيهم لتحقيق آمالهم في العودة إلى أرض فلسطين حتى قبل ظهور الحركة الصهيونية بثلاثة قرون، حيث أحدثت حركة الإصلاح الديني تغييراً جوهرياً ـ بالمقارنة مع موقف الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأخرى ـ في موقفها من اليهود ـ بحيث تولدت عن هذا الموقف نظرة جديدة للماضي والحاضر والمستقبل اليهودي، و كانت المبادئ التي جاءت بها حركة الإصلاح الديني مغايرة تماماً للمبادئ الكاثوليكية في موقفها من اليهود، ولذلك يصف البعض هذه الحركة بأنها ساهمت في بعث اليهود من جديد.
لقد ظل اليهود في نظر العالم المسيحي بأسره (أمة ملعونة) لمدة ألف وخمسمائة عام، لأنهم ـ في اعتقاد المسيحيين ـ قتلة السيد المسيح، حيث عانى اليهود صنوفاً من الاضطهاد والازدراء بناء على هذا التصور الذي ترسخ في العقل المسيحي. ورغم أن هذا التصور ـ من وجهة نظر إسلامية ـ تصور ظالم أنتج ممارسات ظالمة، إلا أنه صمد على مر القرون، مدعوماً بنصوص كثيرة من الإنجيل، وظروف اجتماعية وسياسية خاصة. لكن القرن الخامس عشر الميلادي أظهر تحولات عميقة في النفس المسيحية ـ الغربية على الأقل ـ مع بزوغ ما عرف بحركة الإصلاح، وما استتبعه ذلك من انشقاق سياسي وعقائدي داخل الديانة المسيحية بشكل عام، والكاثوليكية الغربية بشكل خاص، حيث كان من نتائج هذه التحولات أن أصبحت المسيحية الجديدة التي عرفت باسم البروتستانتية ربيبة لليهودية، فقد أصبحت