لم يحدث في تاريخ أوروبا أن تشكلّ إجماع شبه مطلق ضدّ أمريكا مثلما هو الحاصل الآن بعد شروع أمريكا في إحتلال العراق. وإذا كان الإعتراض على أمريكا في أوروبا في وقت سابق مقصور على التيارات والنخب الثقافية اليسارية, فقد بات الغضب على أمريكا سمة الشارع الأوروبي في الظرف الراهن. ولأوّل مرة تتوافق القوى السياسية اليمينية واليسارية والتي تقف في الوسط, والكنائس والتيارات الدينية بمختلف مذاهبها، على الإعتراض الشامل على أمريكا سياسة وتوجهات عدوانية. كما أنّه ولأول مرّة وفي معظم الدول الأوروبية تتقاطع فيه التوجهات الرسمية مع التوجهات الجماهيرية، حيث أصبحت أمريكا دولة عدوانية بدائية، بعد أن نجحت في تسويق نفسها أوروبياً في وقت سابق كدولة ديموقراطية أولى في العالم (١).
وتؤكّد إستطلاعات الرأي العام في معظم العواصم الأوروبية كألمانيا والسويد والنرويج وفنلندا والدانمارك وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان وغيرها، أنّ أغلبية شعوب هذه الدول هيّ ضدّ أمريكا وسياستها العدوانية في العراق. ففي فرنسا تضامن الشعب الفرنسي والحكومة مع خسائر الولايات المتحدة في أحداث ١١ سبتمبر, لكن الولايات المتحدة خسرت هذا التعاطف تجاهها، عندما قررت غزو العراق دون الاكتراث لموقف (أوروبا العجوز) -على حد تعبير وزير الدفاع الأميركي دونالد رمسفيلد- وقتئذ. وفي ألمانيا تولدت ظاهرة العداء لأميركا نتيجة عوامل عديدة، أبرزها العوامل التاريخية مثل الماضي النازي وذكريات الحرب الباردة. وقد عززت الحرب الأميركية على العراق وإمطاره بالقنابل والقذائف والصواريخ المخاوف الشعبية الألمانية، وأحيت ذاكرته المرتبطة بذكريات مشابهة عن قصف مماثل تعرضت له المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وطرد الألمان من شرق أوروبا. ولا يقتصر العداء على الجانب السياسي, إذ تعارض قطاعات واسعة في ألمانيا نموذج حرية السوق الأميركية. ويندرج في هذا اهتمام الأجيال الشابة في ألمانيا، كما هي
(١) الغارة الأمريكيّة الكبرى على العالم الإسلامي.- يحي أبوزكريا - http://www.alkader.net/juni/abuzakrya_gara_٠٧٠٦٢٢.htm