للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن نشهد حرباً دينية كحرب الثلاثين سنة الدينية، التي شهدتها أوروبا، مما يعني وجود مخاطر انزلاق حقيقية خاصة تلك المتعلقة بصراع الحضارات (١). وبالرغم من أن نظرة كيسنجر إلى مستقبل آسيا ليس بنفس قسوة وصراحة نظرته إلى الشرق الأوسط، لكن النظرة الكيسنجرية، تقول بأن الحرب تلوح في أفق آسيا أيضاً. فهو يشبه الوضع في آسيا اليوم بالوضع في القرن التاسع عشر الميلادي. فآنذاك كانت السياسة الناجحة الوحيدة هناك هي سياسة (موازنة القوى) التي مارستها الإمبراطورية البريطانية. لذلك على الولايات المتحدة اليوم ممارسة سياسات "موازنة القوى" لمنع ظهور تجمع مناهض لأمريكا في آسيا، أو في أوراسيا عمومًا.

وإذا قارنا ظهور التحالف الأورآسيوي بين الصين ودول آسيوية أخرى وروسيا، وبعض الدول الإسلامية من جهة، وعملية التعبئة الجارية للأساطيل الأمريكية والبريطانية لدق إسفين في وسط القارة الأورآسيوية من جهة أخرى، فإن الصورة ستتضح أكثر في ضوء ما يقوله (كيسنجر). فالقضية التي تهم (كيسنجر)، هي منع ظهور بديل سياسي ـ اقتصادي حقيقي وقوي على هذه القارة الشاسعة، يستبعد أمريكا وبريطانيا عندما ينهار نظام العولمة المالي والنقدي الذي تسيطران عليه. فليس أمام الولايات المتحدة سوى الحرب لاسترداد سيطرتها وهيبتها، وتحولها إلى إمبراطورية كونية (لا تحتاج إلى سياسة خارجية) أو دبلوماسية. وقد قدمت عملية ضرب مركز التجارة العالمي، والبنتاجون يوم ١١ سبتمبر الذريعة المناسبة للقيام بذلك. فكل من ينظر إلى حجم التعبئة العسكرية والسياسية، التي تقوم بها أمريكا يدرك أن القضية أكبر من (أسامة بن لادن) و (طالبان) إنها "حرب .. طويلة .. طويلة".

[بريجنسكى ورقعة الشطرنج العظمى]

في كتابه (رقعة الشطرنج العظمى) الذي صدر عام ١٩٩٧م يقدم بريجنسكى رؤيته الجيوستراتيجية المثيرة، والجريئة، لتفوق أمريكا خلال القرن الواحد والعشرين. فالمسألة المركزية لتحليله هي كيفية ممارسة القوة على القارة الاوراسية (أوروبا وآسيا)، فهذه القارة هي الأضخم في العالم، من حيث السكان،


(١) َفرْطُ الإرهاب: الحرب الجديدة - فرانسوا هايزبور ومؤسسة البحث الإستراتيجي- كامبردج بوك ريفيوز.

<<  <  ج: ص:  >  >>