قلب شروط اللعبة، وهي شروط تمكن هو ورفاقه في المؤسسات المالية ـ السياسية الأنجلو أمريكية من فرضها على العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. في مثل هذه الحالة النفسية والعقلية، لا يكون أمام (كيسنجر) إلا الحل الوحيد الذي طالما لجأ إليه في الأوقات العصيبة، وهو: إشعال حرب وتأسيس نظام دكتاتوري عالمي لإدارة الأزمة. أما بؤرة اهتمام هذه البنية الحربية فهي كالعادة الوضع المتفجر في الشرق الأوسط.
من البدايات الأولى للكتاب يبين (كيسنجر) قلقه من الوضع الاقتصادي العالمي، ويتناقض هذا القلق مع محاولاته كيل المديح للعولمة، وطبيعة القوة الأمريكية التي لا تقهر، فيحذر قائلا:"إن الأزمة الاقتصادية العالمية هي أكبر تهديد للديمقراطية المعاصرة". ثم يضيف:"إن وقوع أزمة مالية مهمة أخرى في آسيا أو في الديمقراطيات الصناعية، سيعجل بالتأكيد جهود دول آسيوية للحصول على سيطرة أكبر على مصائرها السياسية والاقتصادية عن طريق خلق بديل آسيوي للنظام الإقليمي الحالي". ويضيف: إن بروز تكتل آسيوي معاد يضم مزيجًا من أكثر دول العالم كثافة بالسكان (الصين والهند)، وأكثرها وفرة في الموارد الطبيعية (روسيا وآسيا الوسطى) وأكثرها تقدمًا من الناحية الصناعية (اليابان) لن يكون في المصلحة القومية لأمريكا". ويتذمر كيسنجر ويضطرب حين يفكر باحتمال أن يقلب "الهبوط الحاد" في الولايات المتحدة جميع أمنياته بخلق اتحاد التجارة الحرة للأمريكتين، واتحاد التجارة الحرة عبر الأطلنطي. وتصل حالة الذعر إلى ذروتها في الفصل السادس من الكتاب بعنوان (سياسات العولمة)، حيث يحذر (كيسنجر) في هذا الفصل من أن "العملية التي أنتجت ثروات أعظم في أجزاء من العالم من أي وقت مضى، قد تؤدي هي ذاتها إلى توفير آلية لنشر أزمة اقتصادية واجتماعية حول العالم. وكما كان الاقتصاد الأمريكي يمثل الماكينة العالمية للنمو، ستكون لهزة كبرى في الاقتصاد الأمريكي نتائج وخيمة على الاقتصاد في كل مكان".
في هذا السياق يدلنا هوس (كيسنجر) بالجيوبوليتيك إلى أنه وأصدقاءه يبحثون عن حرب، حيث يصر على تشابه حالة الشرق الأوسط مع أحوال حرب الثلاثين عاماً الأوربية في القرن السابع عشر الميلادي، وهذا يعنى أن (كيسنجر) يقول: إن وقوع حروب جديدة هو أمر لا مفر منه، لا .. بل ومرغوب أيضًا، أي إننا يمكن