للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تكن أمريكا قد بلغت ما بلغته اليوم من جبروت وطغيان, حين حلل فانون سلوك الرجل الأبيض، لكنه كان يضع قاعدة فيها نبوءة رجل العلم, الذي يهجس بأن هذا السلوك سيغدو كونياً. إن ذات الذهنية التي حكمت سلوك المغامرين الأول, الذين استباحوا براءة القارة الأمريكية مترامية الأطراف، ستؤسس لنهج أكثر شمولاً حين يتصل الأمر بالعالم كله. الهدف من حيث الجوهر واحد لم يتبدل، ولكن نسبة القوى تغيرت جوهرياً لتجعل من هذا السلوك سلوكاً يستهدف العالم كله، على غير الأمريكي، أبيض كان أم أسود، أن يغدو أمريكياً لا بالنسبة وإنما بالخضوع، بالتماهي مع (ثقافة) تعلن نفسها ثقافة منتصرة على العالم كله، بحيث يغدو من واجب الفتيان الصغار في مدارس العالم كله أن يرددوا النشيد الأمريكي بالمفردات, التي تحمل معاني قهرهم وإخضاعهم، بالطريقة التي يبدو فيها الهندي الأحمر المباد مجازاً للفلسطيني, ولكل شعب شاء أن يقاوم إبادته. وفي نص (محمود درويش) المشار إليه الكثير مما يشي بهذا المعنى (١).

[الأصوات المغيبة والمصلحة القومية الكاذبة]

إذا كان جورج سورس وجيمى كارتر و فرانز فانون، وغيرهم من الكتاب الأمريكيين قد حاولوا رسم صوره للكابوس الأمريكي الذي يهدد العالم، فإن (هوارد زن) وهو كاتب امريكي اسود، حاول رسم صورة هذا الكابوس من خلال قراءة التاريخ الأمريكي بطريقه اخرى، حيث يقول: "عندما قررت في أواخر سبعينات القرن الماضي إن أولف كتاباً يتناول تاريخ الشعب الأمريكي. كان قد مضى علي عشرون عاماً وأنا ادرس التاريخ. ولكن تجربتي الشخصية جعلتني اعرف إن التاريخ الذي درسته في الجامعة قد حذف عناصر بالغة الأهمية من تاريخ البلاد، ولم تكن عاقبة عمليات الحذف هذه تقتصر على إعطاء صورة محرفه عن الماضي، بل أنها تضللنا جميعاً في ما يتعلق بالحاضر. وعلى سبيل المثال هنالك قضية الطبقات، فالثقافة السائدة في الولايات المتحدة في أوساط التعليم وبين الساسة وفي وسائل الإعلام - تتظاهر بأننا نعيش في مجتمع خال من الطبقات له مصلحة عامة واحده. وفي ديباجة دستور


(١) قناع أبيض للعالم كله د. حسن مدن - جريدة الخليج - عدد ٩٥٠٦ ـ بتاريخ ٢٩ـ٥ـ ٢٠٠٥ م

<<  <  ج: ص:  >  >>