للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتبرهم "اهل الكتاب " واتاح لهم الفرصة للوصول إلى المراتب العليا في الدولة وشجع وأكرم من نبغ منهم من الشعراء، والفلاسفة، والعلماء، والاطباء، والمؤرخين .. وفي هذا الوقت بالذات كانوا يعتبرون في اوروبا "قتلة الرب" و "جلادي المسيح" وكانوا متكتلين في جماعات مغلقة على ذاتها، وبسب هذه العزلة عانوا الواناً من الزراية والاضطهاد وكثيراً ما اخذوا بجريرة آثار لم يرتكبوها (١).

فرغم حسن معاملة الإسلام لليهود فإنهم اعتبروه مجرد صياغة بشرية لمادة من التوراة أو التلمود، وحاولوا احتواء الإسلام بكل الوسائل، ولم ينظروا إلى ما أثبتته نصوصه من تحريف الأحبار لأصل اليهودية، وما أدخلوه بموجب ذلك التحريف من كذب وتزوير، لذلك استخدم أحبار اليهود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مختلف الكيد، ووصفهم القرآن بأنهم أشد عداوة للذين آمنوا، كما حاولوا إدخال كثير من التشويه إلى مصادر الإسلام، أطلق عليه المفسرون مصطلح "الإسرائيليات". وفي العصر الحديث ربطت الصهيونية بين الإسلام والتخلف، وبينه وبين الأصولية والإرهاب، ومعاداة الحضارة الغربية، كل ذلك من أجل تشويه صورته، وحجب حقيقته، وحاولت بكل الوسائل أن تحجب الآراء اليهودية التي تدعو إلى الحوار بين الإسلام واليهودية، أو التي لا تعتبر الإسلام عدوا لليهود (٢).

وهكذا انتج النزاع العربي اليهودي حول فلسطين قضية سياسية جديدة أثّرتْ على تاريخ اليهودية في القرون الوسطى في العالم الإسلامي. لقد استغل كلا الجانبين الصراع وعدّل قراءة خرافة التعايش الطوباوي بين الدينين لخدمة أغراضه السياسية. فقد لوّح العرب وكذلك مؤيدي القومية العربية براية التناغم والتآلف والتوافق العربي-اليهودي في الماضي وألقوا باللوم على الصهيونية المعاصرة لعدائها للعرب في الوقت الحاضر. بالمثل، استبدل عدد من الكُتّاب الصهاينة نظرية العصر الذهبي بما أدعُوُه النظرية المضادة -الاضطهاد الإسلامي أو الفهم البكائي الحزين للتاريخ العربي اليهودي. وزعم أؤلئك المُعَدِّلُون (الذين عدّلوا النظرة التاريخية السائدة) أن الحياة اليهودية في الإسلام بدايةً بالنبي محمد (ص) تميزت


(١) فلسطين الفكر والكلمة- د. محمود السمرة- ص٢٥٥، الدار المتحدة للنشر، بيروت، ١٩٧٤ م.
(٢) الموقف اليهودي والإسرائيلي من الحوار مع المسيحية والإسلام - مركز زايد للتنسيق والمتابعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>