اليهودية وتبنيه لقرار التقسيم واعترافه بدولة إسرائيل، وانتهاءً باتفاقية الهدنة التي عقدت بين إسرائيل والدول العربية. فقد كان ترومان صهيونياً أكثر من الصهاينة، حيث انعكس ذلك على سياسته تجاه المسألة الفلسطينية، والتي كانت سياسة رئاسية ثم تنفيذها من جانب واحد رغم معارضة كثير من المستشارين الحكوميين لها، والذين كانوا يرسمون سياسة بلادهم الخارجية بناء على مصالحها القومية، وليس بناء على عواطف دينية أو غيرها. لهذا فقد حدث أكثر من مرة أن تضاربت قرارات ترومان مع قرارات وزارة الخارجية ومستشاريه. ففي إحدى المرات كان مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، يطالب بشدة بوضع فلسطين تحت الوصاية، من غير أن يعلم بأن الرئيس ترومان قد اعترف قبل ذلك بقليل بدولة إسرائيل. وقد اعترف ترومان نفسه بحقيقة سياسته هذه حيث قال في مذكراته:"لقد كنت أعلم بأن المستشارين جميعاً لا ينظرون إلى المسألة الفلسطينية نظرتي أنا إليها، وأكثر من ذلك، كان الإختصاصيون من موظفي وزارة الخارجية في شئون الشرق الأوسط جميعهم تقريباً ضد فكرة دولة يهودية"(١).
ولكن ما هي نظرة ترومان للمسألة الفلسطينية، التي جعلته يخالف جميع مستشاريه ويتحدى مشاعر جميع العرب والمسلمين؟! إنها نظرة شخص تربى على تعاليم الكنيسة المعمدانية، التي تتبع مذهب العصمة الحرفية في تفسيرها للكتاب المقدس، وهذا يعنى الإيمان بصورة حرفية بكل ما جاء في العهد القديم من أخبار ومعلومات تاريخية ونبوءات من غير تأويل. لهذا فإن أتباع هذه الكنيسة من أكثر المتحمسين للحركة الصهيونية، حيث يؤمنون بضرورة قيام دولة إسرائيل تحقيقاً للنبوءات التوراتية. ولهذا فقد كان واضحاً أثر هذه الأفكار على ترومان وحياته. "فقد كان يؤمن ـ باعتباره أحد تلاميذ التوراة ـ بالتبرير التاريخي لوطن قومي يهودي، وكانت لديه قناعة بأن وعد بلفور، حقق آمال وأحلام الشعب اليهودي القديمة. كما كان واضحاً أثر الثقافة اليهودية والعهد القديم عليه، وكيف لا وهو يعتبر التلمود اليهودي كتابه المفضل. ولهذا كانت هديته لليهود عام ١٩٤٦م، في عيد الغفران ـ كيبورـ تأييده لمشروع تقسيم فلسطين.
(١) أني أتهم ـ روجيه ديلورم ـ ترجمة نخله كلاس ـ ص ٩١ - دار الجرمق, ١٩٨٥.