فبعد السبي والتشتت، ومعاناة الشعور بالقهر، والتشرد، والخوف، وعدم الاستقرار، التي عاشها اليهود خلال السبي، لم يبق لليهود ما يبث في نفوسهم الهدوء، ويدب في روعهم الاطمئنان، غير الآمال يزرعها أنبياؤهم في صدورهم، وغير الأحلام ينشرونها في وجوههم المتعبة، وكان مدونو العهد القديم من البراعة أن يجعلوا من هذه الأماني والأحلام، نبوءات تدفق في نفوسهم الرجاء بأن يهوه (الرب) سيفتقدهم، وينقذهم من عذاب الأسر وذل السبي، ويعيدهم إلى (أرض الميعاد) فكان الوعد بيوم الرجاء بالخلاص الآتي، ورسخت في أذهانهم فكرة المسيح المخلص، الذي يأتي في سطوة زمنية وينقذهم مما صاروا إليه من ذل وهوان، ويعيد لهم مجد داود وسليمان، وكانت رأياهم عن المسيح المنتظر، ملكا من نسل داود، مملكته في الدنيا، يخضع الشعوب لسيطرتهم، ويضع أقدامهم فوق رقاب الأمم.
يقول النبي أشعيا:"ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى (والد داود) القائم راية للشعوب، إياه تطلب الأمم، ويكون محله ممجداً، ويكون في ذلك اليوم أن السيد (يهوه) يعيد يده ثانية، ليقتني بقية شعبه التي بقيت من أشور، ومن مصر، ومن فتروس، ومن كوش، ومن عيلا، ومن شنعار، ومن حماة، ومن جزائر الأمم، ويرفع راية للأمم، يجمع منفيي إسرائيل، ويضم مشتتي يهوذا، من أربعة أطراف الأرض، فينقضان على أكتاف الفلسطينيين غرباً، وينهبون بني المشرق معاً، يكون على ادوم ومؤاب امتداد يدهما، وبني عمون في طاعتهما". (سفر أشعيا ١١، ١٠ـ١٤)
فحياة السبي التي عاناها اليهود عمقت في نفوسهم عقدة الحقد والكراهية للشعوب، كل الشعوب، ولم يبق لهم ما يروون به غلة الحقد والانتقام غير الحلم ـ النبوءة، فكان اعتقادهم بمجيء المسيح الملك لينتقم لهم من أمم الأرض، وكان الحلم ـ الرؤيا أن أصل يسى (داود) ـ المسيح، يقوم رأيه للشعوب في ذلك اليوم ينقضان على أكتاف الفلسطينيين، وينهبون بني المشرق، ويخضعون أدوم ومؤاب وبني عمون ـ الشعوب التي قهرتهم وأذلتهم، ثم قذفتهم خارج تخومها عندما رأتهم