إن الهدف منها كان تعرية الموقف الأمريكي الذي يكيل بمكيالين، والذي عمل على تطبيق قرارات ما يسمى بالشرعية الدولية بحذافيرها على العراق، في حين أن هناك أكوام من القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، مكدسة في أقبية الأمم المتحدة، والتي عملت أمريكيا بالذات على عدم تنفيذها. وإزاء هذا الموقف المحرج، الذي تعرضت له السياسة الأمريكية، والذي أظهر بوضوح ازدواجيتها وكيلها بمكيالين، وجد ـ حتى الذين رفضوا المبادرة العراقية وأيدوا الموقف الأمريكي ـ أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه. فكان لابد من تبرير هذه السياسة الفجة التي اتبعتها أمريكيا في حرب الخليج، والتي لم تترك أي مجال للتفاوض وحل المشكلة بالطرق السلمية.
وهنا نشطت الدعاية الأمريكية وعملائها وأذنابها في المنطقة العربية، من كتاب وصحفيين وساسة، والذين برهنوا عن انتهازية لم يعرف التاريخ مثيلاً لها، وأخذوا ينظرون ويبررون، ويفلسفون الموقف الأمريكي، الذي جاء حسب تحليلاتهم الخائبة نتيجة لانهيار نظام القطبين، وبزوغ فجر النظام العالمي الجديد. ولم ينسَ هؤلاء من تقديم تحليلاتهم الخائبة عن هذا النظام الدولي الجديد. فقالوا إن إسرائيل ستفقد في ظله قيمتها الإستراتيجية، التي كانت لها قبل انتهاء الحرب الباردة، وبالتالي فإن أمريكيا ـ حسب زعمهم ـ ستعمل جاهدة على حل الصراع العربي الإسرائيلي وفق قرارات الشرعية الدولية، وستمارس ضغوطها من أجل حصول الفلسطينيين على حقوقهم كاملة. وقد كان بعض هؤلاء المحللين، متفائلاً أكثر من اللازم، حين طرح إمكانية استخدام أمريكيا للقوة العسكرية، لتطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، مثلما فعلت مع العراق الشقيق!! وقد انطلت هذه الكذبة على كثير من الدول والشعوب العربية، وبالذات التي وقفت موقفاً مؤيداً لأمريكا، حيث تمكنت أمريكيا من تنفيذ مخططها بضرب القوة العسكرية العراقية، ليس من أجل الكويت، أو من أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية، بل من أجل حماية مشروعها الصليبي في المنطقة العربية، والمتمثل في إسرائيل، والذي شعرت أنه بات مهدداً من القوة العراقية الضخمة والمتطورة.