وقد أثارت هذه الوثيقة احتجاجات واسعة في البلدان العربية وبرزت أصداؤها من خلال مناقشات ومداخلات واعتراضات أساقفته هذه البلدان المشتركين في المجمع، "حيث أظهرت المناقشات مقاومة قوية من بطريرك إنطاكية للكاثوليكية (طبوني) وبطريرك الأقباط الكاثوليك (اسطفانس الأول)، يؤازرهما عدد لا بأس به من أساقفة الكاثوليك الشرقيين، الذين اجمعوا على أن التطرق إلى موضوع اليهود ونفي التهمة التاريخية عنهم قد يؤدي إلى الاعتراف بدولة إسرائيل من قبل الفاتيكان من جهة، وقد يخدم مصلحة اليهود سياسياً في نزاعهم مع العرب من جهة ثانية. أما بطريرك الروم ـ الكاثوليك مكسيموس الرابع فقد أشار إلى أن المسودة المقترحة (عن اليهود) يمكن أن تقر وتصدر فقط في حال إذا كانت الكنيسة ستتحدث عن ديانات أخرى، بما في ذلك الإسلام"(١). ولكن بالرغم من هذه الاحتجاجات فقد صدرت هذه الوثيقة مسدلة الستار على فصل مهم من فصول النزاع اليهودي المسيحي في تلك الفترة، بعد أن أفضت إلى تبرئة اليهود من دم المسيح.
وهنا لا بد أن نشير إلى أمر مهم وهو أن صدور هذه الوثيقة لا يشكل تغييراً جوهرياً في نظرة الكنيسة الكاثوليكية لليهود أو تغييراً في العقيدة الكاثوليكية. فالهدف الذي بسببه صدرت الوثيقة، كان لرد الهجوم العنيف الذي تعرضت له الكنيسة الكاثوليكية من الصهيونية وأعوانها، بدعوى أن الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوروبا كان بسبب تلك الإدانة التي صدرت قبل أربعة قرون والتي تحمل اليهود مسئولية قتل المسيح. وهنا لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يدعي أن تلك الإدانة كانت صحيحة أو أنها تعتبر جزء جوهري من العقيدة المسيحية. وبالتالي فإن التخلي عنها أو إلغائها لا يعتبر تحولاً كبيراً في نظرة الكاثوليك لليهود وعلاقتهم بإسرائيل. فالوثيقة لم تنكر أن اليهود تآمروا على قتل المسيح، ولكنها تنكر أن يتحمل اليهود كشعب ذنب هذا التآمر على مر التاريخ وتعاقب عليه الأجيال بعد الأجيال.
مما تقدم يتضح لنا الموقف المتشدد للكنيسة الكاثوليكية من الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، والذي لم يترك إي أمل في إعادة بعث اليهود، أو عودتهم وتملكهم لأرض فلسطين من جديد، حيث انعكس ذلك على موقف أتباعها في