للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العسكرية في روما، أو أن ينخرطوا في الجيش الروماني، أو أن يشتركوا في الحروب، التي كانت تشنها الإمبراطورية الرومانية. وعلى اثر ذلك قام صراع عنيف بين دعاة المسيحية المسالمة ورجال الحكم في روما، وكان هذا الصراع في الحق صراعاً بين الروحية والمادية، وقد دام هذا الصراع قرابة أربعة قرون. ولكن ابتداء من القرن الرابع للمسيح ـ عليه السلام ـ بدأ رجال الدين المسيحي يتقهقرون ويحاولون التوفيق بين روح المسالمة المسيحية من جهة، وروح السيطرة العسكرية من جهة أخرى. وأخرج القديس (ايزيدور) والقديس (امبرواز) بعض النظريات في هذا الشأن، على أن الداعية الذي كان له الأثر الحاسم في إيجاد هذا التوفيق هو القديس (أوغسطين) الذي أخرج في هذا الشأن مؤلفين أولهما هو (العقيدة المخالفة)، والثاني هو (مدينة الرب) (١).

ويبدو واضحاً لمن يتفحص هذين المؤلفين، أن صاحبهما دعا المسيحيين إلى التخلي نهائياً عن فكرة المسالمة، التي قام على دعامتها الدين المسيحي في الأصل. وليس هنا مقام التفصيل في شأن نظرية أوغسطين، ويكفينا أن نذكر أن هذا القديس قام في مؤلفه الأول، بتسويغ فكرة الحرب وفق الحجج التاليه:

١) أن الحرب هي عمل من أعمال القضاء العادل المنتقم. فهي تقوم لإنزال العقاب بالعدل، ومن ثم فليس هناك ظلم يقع من جانب من يقوم بالحرب العادله.

٢) أن الحرب هي لمصلحة المنهزمين، لأنها ترجع بهم إلى حال السعادة في السلام.

٣) أن الحروب تقوم من أجل ضمان السلام (٢).

وعندما ظهرت حركة الاصلاح الدينى على يد مارتن لوثر واخذت بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس، واصبحت التوراة جزء اساسي منه بما تحتوية من معتقدات ومواقف تبرر الحرب والقتل، انعكس ذلك مباشرة على اتباعها، وتحول المسيح عيسى عليه السلام من رسول المحبة والسلام، إلى مسيح يهودي يأتمر بوصايا يهوه ورب الجنود. وبهذا الانقلاب الديني، كانت البروتستانتية في التاريخ الأوروبي، وما


(١) أحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية ـ الدكتور حامد سلطان ص١٠٢ - طبعة دار النهضة العربية عام (١٩٦٨م) القاهرة
(٢) الحرب الأمريكية الجديدة ضد الإرهاب - من قسم العالم إلى فسطاطين - اسعد أبو خليل ص٣٤

<<  <  ج: ص:  >  >>