للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرهقوا سلاحهم وأضعفوا معنويات جنودهم، وأضروا بهيبتهم، وذلك أدى في النهاية إلى تمزق الإمبراطورية السوفيتية" (١).

ويوضح الأستاذ محمد حسنين هيكل الأمر أكثر، بقوله: "فالعملية كما اتضح الآن، كان وراءها أكثر مما ظهر منها، لأن الجهاد الإسلامي الذي أعلن ضد الاتحاد السوفيتي لم يكن رد فعل طبيعياً لدخول الجيش السوفيتي، وإنما كان خطوة وسط في سياق جرى قبلها واستمر بعدها. كانت الخطوة الأولى قراراً أمريكيا بإزعاج السوفيت في جمهورياتهم الجنوبية، من قواعد في أفغانستان، حيث أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بدأت التحريض ضد الاتحاد السوفييتي باسم الإسلام ومن وراء حدود أفغانستان، بينما النظام الملكي يحكم في كابول، والعرش عليه الملك (ظاهر شاه) والسلطة الحقيقية في يد ابن عمه، ورئيس وزرائه السردار داود خان. وقد أدى التحريض إلى قلاقل أوصلت إلى عزل الملك (ظاهر شاه) وجاءت بـ (داود خان) لرئاسة الدولة في محاولة لتهدئة التحريض ولم تنجح" (٢).

هذه هي قصه الحملة الأمريكية في أفغانستان، وقصة ما سمي بالجهاد الإسلامي، وما أفرزه من تنظيمات وجماعات إسلامية كان على رأسها تنظيم القاعدة، الذي أصبح بقدرة قادر العدو الأول لأمريكا. ففي حين أن العدو الحقيقي للعرب والمسلمين كان الاغتصاب الإسرائيلي في فلسطين، فإن العمل العربي والإسلامي ذهب للجهاد في أفغانستان مقاتلاً ضد الإلحاد المادي، الذي دخل من بوابات (كابول)، وكانت الخطط الأمريكية محكمة، والإشراف الباكستاني حازماً يشرف عليه رئيس المخابرات العسكرية الباكستانية الجنرال (حميد غول)، والتمويل الخليجي سخياً، وحشد السلاح وتجنيد المتطوعين شديد الهمة والعزم. وتقول كافة الشواهد أن شباباً عربياً مسلماً أضاع نفسه وهدفه وحياته في حرب لا معنى لها، ضد طرف لم تثبت عداوته للعرب ولا للمسلمين، لكنه اتهم بالإلحاد واختص بالعقاب، رغم وجود كثيرين غيره في عالم ضاع فيه الكثير من اليقين. فسقط شباب كثيرون ـ مسلمون وعرب ـ في هذه الفجوة بين الجهاد والإرهاب، وخرجوا من زمنهم ومن المستقبل،


(١) الدولة المارقة - دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم - ويليام بلوم - ترجمة كمال السيد ـ ص ٣٣
(٢) من نيويورك إلى كابول ـ محمد حسنين هيكل ص١٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>