للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظام الهيمنة والعولمة والسلطة بحد ذاته يحمل نقيضه، وقد يكون التناقض حاجة بنيوية في النظام نفسه. والأميركيون يحتاجون لأن يكونوا ضحايا ويتعاطف العالم معهم، فالضحية في حل من أي عقدة ذنب تجاه أفعاله وجرائمه، وتحتاج أن تستخدم مأساتها كما لو أنها بطاقة ائتمان! وقد جاءت أحداث مركز التجارة العالمي لتستخدم أميركا قوتها الفائضة التي لم تكن تعرف كيف تتصرف بها، وهي مرتاحة الضمير. وقد يكون هذا السيناريو مثل حكايات الخيال العلمي، ولكن هذا الموقف الافتراضي القائم على وجود قوة غامضة تهدد بالإبادة كان موجوداً بالفعل في الذهن أو اللاوعي الأميركي، وكان قائماً لديهم هم فقط، ولا يشاركهم فيه أحد حتى تحول هذا الافتراض إلى حقيقة بفضل الإرهاب والعنف، وتلك هي أميركا كما تحسب نفسها في ظل غياب الغير، وترمق نفسها بتعاطف يكاد يقارب العته.

وهناك رواية متطرفة مفادها، أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هي مؤامرة إرهابية داخلية نفذها اليمين المتطرف الأصولي في أميركا بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأميركية، فماذا لو كان هذا الحادث مزيفاً ومفبركاً؟. الواقع أن هذه الرواية يتواطأ معها الميل الغربي للتقليل من شأن الخصم، فقد تكون أفضل لدى الغرب من الاعتراف بقدرة هؤلاء المجاهدين الغامضين على تكبيد الأميركان هذه الضربة الكبيرة، وقد سبق في قضية تحطم طائرة لوكربي، أن ساد لوقت طويل التحليل القائل بترجيح العطل الفني في الطائرة سبباً لتحطمها، فالاعتراف بالتقصير ـ حتى لو كان خطيراً ـ هو أفضل من الاعتراف بقوة الآخر. ولكن حتى لو كان هذا التفسير حقيقياً، وثبت بالفعل أن الحادث كان من تدبير بعض المتطرفين أو العسكريين الأميركان، فإنه في المحصلة يصب في الافتراض الأول، وهو أن النظام يحمل عناصر تدمير ذاته، ويبقى علامة على عنف داخلي مدمر للذات يؤكد صحة الافتراض الأول (١).


(١) ذهنية الإرهاب .. لماذا يقاتلون بموتهم؟ - جان بودريار وآخرون ترجمة: بسام حجار-الناشر: الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي

<<  <  ج: ص:  >  >>