في محاولة علاجها وإعادة تأهيلها، ولكنه يفشل فيقرر نقلها إلى أهلها. يحتاج تنفيذ القرار إلى مغامرة صعبة تتضمن المسير أياما طويلة في الثلوج والصحاري والجبال، وعندما يعود القاضي إلى المدينة يعتقل بتهمة الخيانة والتواطؤ مع الأعداء.
ويجري تحقيق مع القاضي تستخدم فيه الأخشاب والأعمال الأثرية التي عثر عليها أثناء عمليات البحث والتنقيب وأدلة مادية على رسائل سرية متبادلة بين القاضي والبرابرة. ويتعرض القاضي لتعذيب علني مهين يؤدي به إلى الجنون، ويتحول إلى متسول يمضي أيامه في الطرقات يتسول الطعام، ويقدم خدمات بسيطة في المنازل مقابل إطعامه. ويعيد غول حملته في العام التالي، حيث هيمن الجنود على المدينة ونهبوا متاجرها، وأجبروا الأهالي على خدمتهم والترفيه عنهم. ولكن البرابرة كانوا هذه المرة مستعدين ولم يباغتوا كما حدث في العام الماضي، لقد استدرجوا الجنود بدون قتال إلى الصحاري وغابات القصب والجبال البعيدة وتركوهم أسرى الجوع والخوف والتيه، وتشتت الحملة ولم يعد معظم أفرادها. ويجعل فشل الحملة من تبقى من الجنود عرضة لغضب الأهالي، وبدون أن يقول لنا المؤلف، نشعر أن غول هو الآخر تحول إلى مجنون متشرد ومتسول (١).
هكذا تقدم رواية (في انتظار البرابرة) تصويراً رائعاً ومدهشاً لحروب مفتعلة ووهمية تقوم بها الدول والإمبراطوريات والإدارات الحكومية لإظهار القوة وإرهاب الشعوب، وتعرض أفكاراً فلسفية عن الحياة وذهنية رجل المخابرات حامي الإمبراطورية، الذي يقوم بتدمير حياة هانئة وسعيدة باسم شعارات كبرى عن الوطن. فالامبراطورية تحتاج إلى الهياج والحرب لتبرز قوتها، وترهب شعبها قبل البرابرة باسم شعارات كبرى عن الوطن والاعداء. ففي رواية كوتز السابقة تتفتق عبقرية المكتب الثالث (المخابرات)، والإمبراطورية على خلق البرابرة، وليس انتظار مجيئهم تحت رحمة الصدف، فإذا كان البرابرة ضرورة فلابد من وجودهم أو إيجادهم، وهذا ربما يفسر كثيراً مما يسمى حرب الإرهاب، التي تخوضها واشنطن الآن؟ فالارهابيون ليسوا موجودين ولكن لابد من إيجادهم، ليكونوا مبرراً لعمليات
(١) في انتظار البرابرة -المؤلف: ج. م. كوتزي -ترجمة: ابتسام عبد الله عرض- المركز الثقافي العربي / الدار البيضاء- ط٢ - ٢٠٠٤ - عرض إبراهيم غرايبة--الجزيرة نت ـ٢٤/ ٦/٢٠٠٤ م