اشتق الاسم الأوروبي الجديد لهذه البلاد من لفظ ARGENT اللاتيني، ومعناه الفضة. كما أقام حكام هذه البلاد من الهنود الحمر الهياكل والمعابد والقصور الشاهقة، ومنها أهرمات تشبه أهرمات الجيزة إلى حد ما، وان لم تكن في ضخامتها. وكان هؤلاء السكان يعرفون الفنون المتطورة من حفر ونقش وإقامة للنصب والتماثيل، كما كان لهم باع طويل في أساليب الزراعة، واستغلال الأرض، واستئناس وتربية المواشي، وكان من هذه الشعوب ـ أيضا بدو رحل وظيفتهم الصيد والترحال (١).
وتشير المعطيات التاريخية إلى أن الهنود الحمر كانوا أول من سكن القارة الأمريكية منذ القدم، حيث كانت لهم ثقافة مزدهرة، عاشت في ظلها القبائل الهندية المختلفة بسلام ووئام، وظلوا بعيدين عن التأثر بالعالم الخارجي بسبب وجودهم على الطرف الآخر من المحيط. ولكن ذلك لا يعنى أنهم كانوا بمعزل كامل عن العالم كما يعتقد البعض، وكما يروج الغرب لذلك لأسباب استعمارية ليعطي نفسه الحق في نهب هذه البلاد لأنها من اكتشافه هو ـ أي الغرب. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العرب المسلمين قد وصلوا إلى أميركا، قبل كولومبوس بخمسمائة سنة، حيث وصل الملاح (خشخاش بن سعيد القرطبي) إلى جزر البحر الكاريبي عام ٨٨٩م، ثم وصل بعده الملاح (بن فروخ الأندلسي) إلى جزيرة جامايكا عام ٩٩٩م. وعندما وصل كولومبوس إلى ميناء بالوس في كوبا عام ١٤٩٢م لم يجرؤ على النزول في تلك المنطقة، عندما شاهد قبة مسجد بالقرب من الشاطئ فحول اتجاهه إلى جزيرة صغيرة، وقد كان يظن نفسه متجها إلى الهند في طريق التفافي لا يسيطر عليه العرب والمسلمون.
وكولومبوس نفسه كان عام ١٤٦٧م بحاراً مغموراً في سفينة عربية أبحرت على سواحل أفريقية، ثم وصلت البرازيل دون أن يعرف أنه وصل إلى قارة جديدة، وعندما أبحر بعد ذلك بربع قرن بتمويل وتشجيع من الملكة (إيزابيلا) ملكة أسبانيا، كان ثلث بحارته من العرب ويعتمد على خرائط وأدوات عربية. أما أول من وصل إلى القارة الأمريكية فهو الملاح الفينيقي (ماتو عشتروت) عام ٥٠٨ ق. م، ثم الملاح
(١) الانحياز الأمريكي لإسرائيل - دوافعه التاريخية والاجتماعية والسياسية ص ٣٩