للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالضبط فانه كما سمي الأسبان حربهم لإبادة الهنود في جنوب القارة الأمريكية تبشيرية، استند المتطهرون الإنجليز على أوامر يهوا بالإبادة المقدسة للهنود، لتبرير طردهم وسرقة أرضهم أحياءً للعهد القديم، ولهذا كتب أحدهم يقول: "واضح أن الله يدفع المستوطنين للحرب، بينما يعتمد الهنود بعدتهم وعددهم على ارتكاب الخطأ مثل القبائل القديمة، يتحينون الفرصة لفعل الشر تماماً مثل قبائل (الاماليسيت) القديمة والفلسطينيين الذين كانوا يتحدون مع آخرين لقتال إسرائيل" (١).

ولما كان تاريخ الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر هو في الأساس تاريخ القضاء على الهنود، واستغلال العبيد الزنوج، فقد ظهر خلال هذه الفترة أبشع أنواع النفاق فيما يخص الهنود، كما ظهر لأول مرة ما أصبح المبدأ المحرك لكل الاعتداءات المستقبلية التي ستقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية عبر العالم اجمع، ويتمثل هذا المبدأ في اعتبار كل عدوان أو إباده تقوم بها الولايات المتحدة نوعاً من (الدفاع الشرعي)، وحق مقدس للرجل الأبيض، لتنفيذ الرسالة الإلهية الملقاة على عاتقه. فالرسالة التي ألقيت على عاتق الأمة الأمريكية التقية، هي رسالة إلهية .... فهذه الأمة التي وصفها ايزنهاور بأنها، "تحب الله كثيراً ويبادلها الله حباً بحب"، مكلفه تبعاً لذلك بتنفيذ مخطط الله للخليقة، ذلك المخطط الوارد بحرفيته في التوراة، وسائر أسفار العهد القديم (٢).

فتعابير مثل (شعب أخص) و (شعوب مختارة)، هي تعابير مهمة وحاسمة، لا توجد فقط في الأدبيّات السياسية لليمين الأمريكي، ولكنها توجد ـ أيضاً ـ في الثقافة الأمريكية عموماً، وهو الإيمان بأمريكا مختارة بشكل خاصّ، وهو ما يصبح عند السيدة (مادلين أولبرايت)، هو الإيمان بـ (أمّة ضرورية)،سواء كانت منتخَبَة من الربّ أم من (القَدَر) أم من (التاريخ)، أو بكل بساطة أمريكا مدعوَّة إلى العظمة وإلى القوة، لأنه مفروضٌ أنها تمتلك أكبر وأقدم ديمقراطية وأكثرها تطوّراً. هكذا سيقول (ويلسون) إن أمريكا لَهَا الامتياز اللامتناهي لأداء قدَرِهَا وإنقاذ العالَم. والأمثلة كثيرة


(١) أمريكيا طليعة الانحطاط - جارودى ص٥٠
(٢) المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص٤٠٩

<<  <  ج: ص:  >  >>