بد منه وأنها الطريق الوحيد للسلام. وانشغلت المنظمات الدينية وزعماؤها بتأييد محموم لجهود الحرب، مما جعلها تبدو كحملة صليبية. "فقد دعا الرب الأمة لدخول المعركة لإحراز النصر النهائي (للحضارة المسيحية) ومجد المحاربين كأبطال الحق ضد أتباع الشيطان"(١).
مره أخرى يتم تمويه الأهداف الحقيقية للحروب الأمريكية بعبارات رنانة، مع إغفال متعمد للأهداف التوسعية والرغبة في السيطرة ونهب ثروات الشعوب المغلوبة. فأمريكا عملت على الاستفادة من الحرب إلى أقصى درجة، حيث كانت الحرب العالمية الأولى من عام ١٩١٤م إلى عام ١٩١٨م والتدمير المتبادل بين الدول الأوروبية، بمثابة منجم من الذهب للولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تسرع إلى النجدة والانتصار إلا في نهاية الحرب عام ١٩١٧م. حيث خرجت الولايات المتحدة من الحرب في وضع هيمنة كليه، وضع لا مثيل له في التاريخ. فمنافسوها الصناعيين قد دمروا أو اضعفوا إلى حد كبير، بينما تضاعف إنتاج أمريكيا الصناعي أربع مرات تقريباً خلال سنين الحرب.
وإذا كان الصراع الأوروبي ـ الأوروبي كلف أوروبا خسارتها لكثير من مستعمراتها ومواقع نفوذها، فإن هذا الصراع كان سبباً في تعاظم النفوذ الأميركي وتغلغله إلى داخل القارة نفسها. ففي الحرب ما بين (١٩١٤ـ١٩١٦م) لم يتورع الأميركيون عن تزويد المتحاربين بالأغذية والأسلحة والمنتجات مقابل المال، مما زاد من حصتها التجارية في التعامل مع عدد من الدول الأوروبية، ولم تتدخل أمريكيا في الحرب إلا للمحافظة على التوازن العالمي وللدفاع عن التجارة البحرية التي هددتها الغواصات الألمانية. وقد جنت أميركا الكثير من الأرباح والفوائد من الحرب، بينما كانت مذبحة لأوروبا فدفعت الثمن من دمائها واقتصادها.
ولكن هذا الحال لم يستمر طويلاً حيث بدأت الدول الأوربية وعلى رأسها ألمانيا تنهض من كبوتها، وبدأت تشهد ازدهاراً اقتصادياً، في الوقت الذي بدأ الاقتصاد الأمريكي يعاني من وضع انهيار اقتصادي وانكماش وجمود، وصل معه عدد العاطلين عن العمل عام ١٩٣١م إلى سبعة ملايين ليرتفع عام ١٩٣٢م إلى ١١ مليون عاطل
(١) الدين والسياسة في الولايات المتحدة - ج١ـ مايكل كوربت ـ جوليا ميشتل كوربت ص١٢٧