توفر الفرصة السانحة، لذلك كانت ردة الفعل الأميركي على تلك التفجيرات مفاجئة للجميع، لأنها في الواقع لم تكن خاصة بالتعامل مع حدث ظرفي بقدر ما كانت معنية بتطبيق إستراتيجية جاهزة, كانت تنتظر لحظة نضوج ظرفها الموضوعي. ويلحظ (سورس) كيف أن (مبادئ) وشعارات (المشروع الأميركي للقرن الجديد) سيطرت وطغت على الخطاب الرسمي السياسي والإعلامي في حقبة ما بعد ١١ سبتمبر. فقد كرر (بوش) بلا ملل أن قيم الحرية هي القيم الأميركية, وهي التي يجب أن تنتشر، وساوى بين مصالح أميركا الخاصة ومصالح العالم بأسره، بما يعني أن السير نحو تحقيق المصلحة الأميركية يخدم بالتوازي المصلحة العالمية. وهذا الفكر الإمبريالي قيمياً والمطبق عسكرياً في أفغانستان والعراق, هو الإطار العام (لفقاعة التفوق الأميركي) كما يراها (سورس)، الذي يرى ايضاً أن نهاية تفوق أميركا وفقدانها لموقعها القيادي في العالم سيكون النتيجة الحتمية لمثل هذا الفكر. ولهذا السبب فإنه يستشعر "ضرورة أن يهب هو والمخلصون من الأميركيين، لوقف هذا الانحطاط السياسي, وإنقاذ أميركا من العصبة اليمينية الحاكمة". ففي عهد (بوش) وحروبه (الإلهية والتبشيرية والوطنية) تحول نقاد السياسة الخارجية والمعارضون لها إلى خونة ولا وطنيين يُشك في ولائهم للوطن. وصار التقييم يعتمد مبدأ (معنا أو ضدنا) من دون تفاصيل أو لكن.
يقول (سورس): "إن أحداث ١١ سبتمبر كان يجب أن تُعامل على أنها جريمة ضد الإنسانية, وليس عملاً يستدعي إعلان الحرب في كل مكان. فتلك الجريمة تم التنديد بها من قبل كل دول ومجتمعات العالم، وحظيت الولايات المتحدة والأميركيون على أوسع قدر متخيل من التعاطف العالمي, وبدت الولايات المتحدة بلا أعداء. فالرئيس مرحب فيه في كل مكان (١). وكان بالإمكان استثمار ذلك التعاطف لتقوية العلاقات الأميركية بكل دول ومجتمعات العالم وتجييشها برغبتها للعمل ضد الإرهاب، على قاعدة التعاون المتكافئ وليس الفرض الفوقي القسري. لكن ما حدث هو أن أميركا أرادت أن تتحرك بانفرادية معتمدة سياسة فرض لا نقاش فيها، مما
(١) الدولة المارقة - الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية - كلايد برستوفتز - تعريب فاضل جتكر -ص٢٩٤