للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبرر التنافس بين الثقافات. وإن الحروب بين الحكومات والأديان والنظم الإجتماعية والأجناس البشرية والطبقات تقوم على أساس أن بقاء للأصلح، بمعنى الأقوى في نظرهم، هو قانون الطبيعة، وهي طبيعة (حمراء الظلف والناب). وإذا كان الإنسان قد خرج من الصراع وهو سيد الأنواع، فلماذا لا نتطلع إلى سلالة بشرية تكون سيدة السلالات؟ وإذا كانت الثقافة قد تطورت من خلال عملية مماثلة، فلماذا لا نتطلع إلى تقافة هي سيدة الثقافات؟ وبقاء الثقافة وانتصارها على سواها رهن بعمل وجهد أصحابها" (١).

هذه الثقافة الأمريكية التي استمدت جذورها من ثقافة العهد القديم، ثقافة النهب والسلب والابادة والقتل والدمار، هى ما يكرهه العالم في أمريكا. ولهذا فقد أمضى (توماس باين) كل حياته في التفنيذ والنقد والتحذير من كتابه المقدس الذي "يفسد البشر ويصنع منهم وحوشاً". انه في عصر العقل يعري أخلاق (العهد القديم) التي تبرر الإبادة والمذابح الطقسيه والتضحية المقدسة بذلك (الآخر) الكنعاني المهدور الدم ... في هذه التعرية يرينا توماس باين كيف يمكن للخطاب المقدس إن يصنع من الإنسان وحشاً يوحد بين طبيعته الوحشية وما يعتقد انه إرادة الله" (٢).

وباختصار يمكن القول ان إمبراطورة الشر في العالم تتجسد الآن في أمريكا وقد تمادت في غيها إلى أقصى الحدود مستخدمة كل أنواع الفجور المشفوعة بكل أنواع القوة، بدءاً من أول تاريخها الذي قام على إبادة شعب قارة بأقذر الطرق وأفظعها بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، وحتى هتلر ودعواه العرقية التي يحتمل انه استمدها من غزاة القارة الأمريكيه، لم تستطيع أن تصل إلى سوية ممارستهم، وانتهاء بالواقع الراهن الذي تباح فيه كل أنواع المحظورات الأخلاقية والأدبية وتحت شعارات واهية (الحرية). وأما حرية الشعوب والحقوق التي يتحدثون عنها بشكل يصم الآذان فلا تتعدى قول بوش الأول: "ما نقوله يمشي". فالحق ما تقوله أمريكا وكلام أهل الأرض قاطبة ضلال. وهنا يبين المفكر واللغوي المشهور (نعوم تشومسكي) كيف أوصلت الولايات المتحدة العالم إلى لحظة الحدود النهائية


(١) العقل الأمريكي يفكر - من الحرية الفردية إلى مسخ الكائنات - شوقي جلال ص٢٢٨
(٢) حق التضحية بالآخر- تأليف منير العكش-ص١٥٤

<<  <  ج: ص:  >  >>