للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو الملوك، اصبح من مصادر غضب الملوك وأتباعهم. وتعرض مثل هذا العمل للنقد والسخرية ومن جملة ما انتقدوا الكنيسة الشعراء الجوالون في جنوبي فرنسا وشمالي إيطاليا. كما ادت الحروب الصليبية إلى ثراء الأديرة، بسبب أن بعض ملاك الأراضي في أوروبا قد باعوا أراضيهم للأديرة أو رهنوها ليحصلوا بذلك على المال اللازم لسداد نفقات الحروب الصليبية، وأصبح للاديرة بفضل ذلك ضياع واسعه وسيؤدي هذا في النهاية إلى حسد الملوك (١).

ومن الحقائق الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها ما نسميه تصاعُد الحمَّى المشيحانية، أي الرغبة في العودة إلى صهيون (أي فلسطين) والاستيلاء عليها وتحويلها إلى وطن قومي يهودي. إذ من المعروف أن الشريعة اليهودية تحرِّم على اليهود العودة إلى فلسطين وعلى اليهودي أن ينتظر بصبر وأناة إلى أن يشاء الإله ويرسل الماشيَّح، فيحق له حينئذ أن يعود. ويرى كثير من المؤرخين أن حمَّى العودة ورَفْض الانتظار بدأت بين اليهود بحملات الصليبيون ووصلت إلى قمتها مع الحركة الصهيونية التي حققت النجاح لأنها جندت النزعة الدينية والاستعمارية لدى البروتستانت في المجتمع الغربي وتحالفت معها ووضعت نفسها تحت تصرفها. وما يهمنا هنا من الحركات المشيحانية حركة الماشيَّح الدجال (داود الرائي) المولود عام ١١٣٥ إذ يبدو أن هجمات الصليبيون على فلسطين، والفوضى التي أعقبتها، طرحت إمكانية العودة وتحرير القدس في مخيلة بعض أعضاء الجماعات اليهودية. وقد تركزت دعوة داود الرائي هذا في آمد (في جبال كردستان) على الطريق الإستراتيجي الموصل بين مملكة الخزر اليهودية التركية وممالك الصليبيون. ولعل شيئاً من ذكرى إمبراطورية الخزر وأمجادهم كان لا يزال عالقاً بذهن داود الرائي وأتباعه.

وقد تصاعدت الحمَّى المشيحانية مرة أخرى في القرن السادس عشر الميلادي إذ يبدو أن البابا كليمنت السابع (١٥٢٤) عاودته الأحلام الاستيطانية الاسترجاعية، وكان يتصوَّر أن بإمكانه دَعْم طريق الكنيسة مرة أخرى واستعادة شيء من نفوذها عن طريق تجريد حملة صليبية. وقد أدرك هذه الحقيقة ماشيَّح دجال آخر يُسمَّى


(١) تاريخ الحروب الصليبية ١٠٩٥ - ١٢٩١ - د. محمود سعيد عمران- ص ٣٤٧ - دار النهضة العربية للطباعة والنشر /بيروت- ط٢ ١٩٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>