للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وراء هذا تزيد أغنياء العالم وطواغيته غنى وجبروتاً وفقراءه ومستضعفيه فقراً واستبعاداً. إنها بشكل من الأشكال مناورة فكريه تمنح خلفيات تنظيريه لممارسات تتجاوز ابتداءً منظومة القيم الخلقية وثوابت العقائد والأديان والمطالب الاساسيه للإنسان، ومن وراء هذه المناورة تكمن الخبرة الصليبية واليهودية والاستعمارية والرأسمالية. إن إلغاء الذاكرة التاريخية، وتحكيم الصنميه الاقتصادية المتسلحة بكل قوى العلم والتكنولوجية والتفوق العسكري وحتى السياسي، للغرب لن يجعل الفقير غنياً وينزل بالاغنياء لكي يقاربوا الفقراء، بل ستجعلنا وكل المستضعفين في الارض ينسلخون عن تاريخهم، ويفقدون تميزهم ويزدادون التصاقاً بالقوى المتحكمة في آليات الاقتصاد العالمي. ان تجريد العالم من بطانته الروحية، والوجود من تجذره في الغيب، ومنح السلطة المطلقة للاقتصاد، سوف يميل بالميزان، وسيكون الانسان هو الخاسر الوحيد (١).

ولا شك أن إيديولوجية كهذه لا بد أن تعتبر الإسلام عقبة كأداء لا بد من إزالتها من الطريق ولا سبيل للحوار معها، بل حتى المذاهب المسيحية الأرثوذكسية ملزمة بالتحول إلى ما تعتقده تلك الإيديولوجية إن هي أرادت النجاة من (الحرب الأخيرة) قبيل عودة المسيح .. ! "فأسطورة (نهاية العالم) هذه وعودة المسيح آخر الزمان كما يروج لها هذا التدين السائد اليوم في أمريكا هي التي تلقفها وألبسها لبوساً ليبرالياً كلاً من فرانسيس فوكوياما في كتابه عن نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ثم صامويل هانتنجتون في حديثه عن صدام الحضارات! ومن العجيب أن يعكس هذا الفكر الليبرالي ذلك النوع من الفكر الديني وينتهي معه إلى التبشير بمصير مأساوي للإنسانية!. لقد أجمعت الدراسات على مبلغ تدين الشعب الأمريكي، مقارنة بالشعوب الأوروبية، إلا أن الحقيقة الصادمة توضح أن هذا التدين في الأغلب لا يساعد على قيام تفاهم حضاري، لأنه تدين عدواني الطابع، منغلق التفكير، إرهابي النزعة، يبشر بعالم مخيف حقا! " (٢).


(١) مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) - د. عماد الدين خليل- ص١١٤
(٢) أية قيم دينية لحضارة إنسانية؟ - د. عبد المجيد الصغيّر http://www.qatar-conferences.org/dialogue/article٢.do

<<  <  ج: ص:  >  >>