للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نسخ روايته؛ وذلك

لحسن الظن بالراوي؛ لأنه لا يعمل على خلاف روايته إلا وقد علم ما ينسخه وإلا يكون ذلك طعناً في عدالته (١).

ثامناً: عمل أهل المدينة.

إذا ثبت حكم من أحكام الشريعة بدليل من الكتاب أو السنة، وكان عمل أهل المدينة على خلافه، فهل يكون عملهم هذا دليلاً على نسخه؟

جمهور أهل العلم على أن عمل أهل المدينة على خلاف حكم ليس دليلاً على نسخه؛ لأن عملهم أو اتفاقهم على حكم ليس بإجماع حتى يكون ذلك دليلاً على النسخ، وليس عملهم دليلاً آخر مما يُنسخ به (٢).

وذهب بعض المالكية إلى أن عمل أهل المدينة على خلاف حكم يدل على نسخه؛ لأن وجود علم أهل المدينة بخلاف حكم دليل على نسخه، وإلا لما خالفوه (٣) والله أعلم.


(١) وقد قرر هذا الطريق الطحاوي، وتبعه غير واحد من الحنفية، منهم: العيني، وابن الهمام، والملا علي القاري. وأشار إليه الحازمي ونسبه إلى الكوفيين. انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي ١/ ٢٣؛ شرح مشكل الآثار-تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار- ٣/ ٢٤؛ الاعتبار للحازمي ص ٥٧؛ عمدة القاري للعيني ٨/ ١٥٥؛ فتح القدير لابن الهمام ١/ ١١٠؛ ٢/ ٣٥٩؛ اللباب في الجمع بين السنة والكتاب للمنبجي ١/ ٨٨؛ فتح باب العناية للملا علي القاري ١/ ١٠٣، ٥٨٦.
(٢) انظر: أصول السرخسي ١/ ٣١٤؛ المستصفى ص ١٤٨؛ روضة الناظر ١/ ٢٤٠.
(٣) وإلى هذا الطريق أشار شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ٢١/ ١٥١؛ حيث قال: (وكذلك كثير ممن يحتج بالعمل من أهل المدينة-أصحاب مالك وغيرهم- يقولون: هذا منسوخ). كما أشار إليه أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات ٢/ ٤٩؛ حيث قال: (وقد سُئل-أي الإمام مالك-عن سجود القرآن الذي في المفصل، قيل له: أتسجد أنت فيه؟ فقال: لا، وقيل له: إنما ذكرنا هذا لك لحديث عمر بن عبد العزيز، فقال: "أحب الأحاديث إليّ ما اجمع الناس عليه، وهذا مما لم يجتمع الناس عليه، وإنما هو حديث من حديث الناس، وأعظم من ذلك القرآن، يقول الله: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب .. } فالقرآن أعظم خطراً وفيه الناسخ والمنسوخ، فكيف بالأحاديث، وهذا مما لم يجتمع عليه". وهذا ظاهر في أن العمل بأحد المتعارضين دليل على أنه الناسخ للآخر؛ إذ كانوا إنما يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وروي عن ابن شهاب أنه قال: "أعيى الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من منسوخه"، وهذا صحيح، ولمّا أخذ مالك بما عليه الناس وطرح ما سواه انضبط له الناسخ من المنسوخ على يسر، والحمد لله). وانظر كذلك التمهيد لابن عبد البر ١٣/ ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>