للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب السابع: الوضوء للجنب إذا أراد النوم]

أجمع أهل العلم على أنه يجوز للجنب أن ينام قبل الاغتسال (١).

وذهب الطحاوي إلى أن الأمر بالوضوء للجنب إذا أراد النوم منسوخ؛ لذلك لا بأس أن ينام الجنب قبل أن يتوضأ (٢).

وقد تبين منه أن القول بالنسخ في المسألة أحد أسباب الاختلاف عند بعض الفقهاء، إلا أن السبب الأصلي للاختلاف هو تعارض الأحاديث الواردة في ذلك، وهل الأمر الوارد فيها للاستحباب والندب، أم للوجوب؟ وسيتبين ذلك مما يأتي من أدلة الأقوال ووجه الاستدلال منها.

ويستدل لمن قال بالنسخ بما يلي:

أولاً: عن عائشة-رضي الله عنها-قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصيب من أهله من أول الليل ثم ينام ولا يمس ماءً، فإذا استيقظ من آخر الليل عاد إلى أهله واغتسل» (٣).


(١) انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم ١/ ٥٤٦؛ فتح الباري ١/ ٤٧١.
(٢) انظر: شرح معاني الآثار ١/ ١٢٨؛ عمدة القاري ٣/ ٢٤٤؛ حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٥٥.
(٣) أخرجه أبو داود في سننه ص ٣٩، كتاب الطهارة، باب في الجنب يؤخر الغسل، ح (٢٢٨)، والترمذي في سننه ص ٣٩، كتاب الطهارة، باب في الجنب ينام قبل أن يغتسل، ح (١١٨)، وابن ماجة في سننه ص ١١٤، كتاب الطهارة، باب في الجنب ينام كهيئته لا يمس ماء، ح (٥٨١ - ٥٨٣)، ومحمد بن الحسن في الموطأ ص ٤٦، وفي كتاب الآثار ١/ ٨٠، وعبد الرزاق في المصنف ١/ ٢٨١، والإمام أحمد في المسند-واللفظ له- ٤١/ ٢٧٥، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ١٢٥، والبيهقي في السنن الكبرى ١/ ٣١١.
وقد تكلم أهل العلم في هذا الحديث فقال أبو داود في سننه بعد ذكر الحديث نقلا عن يزيد بن هارون: (هذا الحديث وهم يعني حديث أبي إسحاق).
وقال الترمذي بعد روايته للحديث: (وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق).
وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ١٢٥: (وقالوا هذا الحديث غلط لأنه حديث مختصر اختصره أبو إسحاق من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه) ثم ذكره من طريق زهير عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة وفيه: (وإن كان جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة) ثم قال: (فهذا الأسود بن يزيد قد أبان في حديثه كما ذكرناه بطوله أنه كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة).
وقال ابن عبد البر في التمهيد ٢/ ٣١١: (قال أبو عمر: يقولون إن الخطأ فيه من قبل أبي إسحاق؛ لأن إبراهيم النخعي روى عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وزاد فيه الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة إذا أراد أن يأكل أوينام.
وقد روى هذا الحديث عن أبي إسحاق جماعة بمعنى واحد منهم: شعبة والأعمش، والثوري، وإسماعيل بن أبي خالد، وشريك، وإسرائيل، وزهير بن معاوية، وأحسنهم له سياقة إسرائيل، وزهير، وشعبة؛ لأنهم ساقوه بتمامه، وأما غيرهم فاختصروه، وممن اختصره الأعمش، والثوري، وشريك، وإسماعيل، قالوا كلهم عن أبي إسحاق، عن الأسود عن عائشة، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام-وهو جنب-ولا يمس ماء، وفي رواية شريك قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي بعض نسائه ثم يضجع ضجعة، قال: فقلت: من قبل أن يتوضأ، قالت: نعم، وقد تأول بعضهم في حديث شريك هذا أنها الهجعة التي كانت له قبل الفجر يستريح فيها من نصبه بالليل.
وأما حديث إسرائيل، وشعبة: فحدثنا أحمد بن فتح، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا على بن عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الله بن رجاء، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عن الأسود قال: سألت عائشة عن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالليل: فقالت: كان ينام أول الليل ويقوم آخر الليل، فيصلي ما قضي له، فإذا صلى صلاته مال إلى فراشه فإن كان له حاجة إلى أهله أتى أهله ثم نام كهيئته لم يمس ماء، حتى إذا سمع المنادي الأول قالت: وثب وما قالت: قام، فإن كان جنباً أفاض عليه لماء، وما قالت: اغتسل، وإن لم يكن جنباً، توضأ وضوءه للصلاة، ثم يصلي ركعتين ثم يخرج إلى المسجد). ثم ذكره عن طريق شعبة ثم عن طريق زهير.
وقال الإمام أحمد: إنه ليس بصحيح، وقال أحمد بن صالح: لا يحل أن يروى هذا الحديث، وقال ابن حجر: (وعلى تقدير صحته فيحمل على أن المراد: لا يمس ماء للغسل، ويؤيده رواية عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عند أحمد بلفظ: (كان يجنب من الليل ثم يتوضأ وضوءه للصلاة حتى يصبح ولا يمس ماءً) أو كان يفعل الأمرين لبيان الجواز، وبهذا جمع ابن قتيبة في اختلاف الحديث، ويؤيده ما رواه هشيم عن عبد الملك عن عطاء عن عائشة مثل رواية أبي إسحاق عن الأسود. انظر: التلخيص الحبير ١/ ١٤٠ - ١٤١.
وصححه الدارقطني فقال: (يشبه أن يكون الخبران صحيحين). انظر: التلخيص الحبير ١/ ١٤٠.
وكذلك صححه البيهقي فقال في السنن الكبرى ١/ ٣١١: (قال الشيخ: وحديث أبي إسحاق السبيعي صحيح من جهة الرواية، وذلك لأن أبا إسحاق بين سماعه من الأسود في رواية زهير بن معاوية عنه، والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه وكان ثقة فلا وجه لرده).
كما صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود ص ٣٩.
ويؤيد صحته رواية عبد الملك عن عطاء عن عائشة-مثل رواية أبي إسحاق- فإنه يعتبر متابعاً صحيحاً له كما أشار إليه ابن حجر في كلامه السابقوالله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>