للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتبين منه أنه ليس للقول بالنسخ في هذه المسألة أي أثر في اختلاف الفقهاء فيها، وإنما سبب الاختلاف فيها هو اختلاف الأدلة الواردة فيها، كما سيظهر ذلك من عرض الأقوال والأدلة.

ويستدل لمن قال بنسخ ما ورد في نجاسة الهرة بما يلي:

أولاً: عن كبشة بنت كعب بن مالك (١)، -وكانت تحت ابن أبي قتادة-أن أبا قتادة (٢) دخل، فسكبت له وضوءاً فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات (٣) (٤).


(١) هي: كبشة بنت كعب بن مالك الأنصارية، زوج عبد الله بن أبي قتادة، قال ابن حبان: لها صحبة، وتبعه الزبير بن بكار، والمستغفري، وروى عن أبي قتادة، وروى عنها حميدة أم يحيى. انظر: الكاشف للذهبي ٣/ ٤٣٤؛ الإصابة ٤/ ٢٦١٩؛ التهذيب ١٢/ ٣٩٧.
(٢) أبو قتادة: المشهور أن اسمه: الحارث بن ربعي بن بلدمة، السلمي، المدني، أبو قتادة، فارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عنه: أنس بن مالك، وجابر، وغيرهما، وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد، وتوفي سنة أربع وخمسين على المشهور. انظر: الاستيعاب ٤/ ١٦١؛ تهذيب التهذيب ١٢/ ١٨٣.
(٣) أي أنها كخدم البيت، ومن يطوف على أهله للخدمة ومعالجة الأمور. انظر: معالم السنن للخطابي ١/ ٦٠.
(٤) أخرجه أبو داود في سننه ص ١٧، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة، ح (٧٥) والترمذي في سننه ص ٣٣، كتاب الطهارة، باب ما جاء في سؤر الهرة، ح (٩٢)، والنسائي في سننه ص ١٩، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة، ح (٦٨)، وابن ماجة في سننه ص ٨٢، كتاب الطهارة، باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك، ح (٣٦٧) والإمام مالك في الموطأ ص ٥٠، والشافعي في الأم ١/ ٤٧، وابن أبي شيبة في المصنف ١/ ٣٦، وأحمد في المسند ٣٧/ ٢٧٢، والدارمي في سننه ١/ ٢٠٤، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ١٩، والدارقطني في سننه ١/ ٧٠، والحاكم في المستدرك ١/ ٢٦٣، والبيهقي في السنن الكبرى ١/ ٣٧٢، وفي الصغرى ١/ ١٤٠، وفي معرفة السنن والآثار ٢/ ٦٧، والبغوي في شرح السنة ٢/ ٦٩.
والحديث هذا صححه الترمذي في سننه ص ٣٣، وقال: (وهو أحسن شيء في هذا الباب، وقد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، ولم يأت به أحد أتم من مالك).
كما صححه الحاكم في المستدرك ١/ ٢٦٣، وقال: (وهذا الحديث مما صححه مالك واحتج به في الموطأ ومع ذلك فإن له شاهداً بإسناد صحيح).
وقال ابن عبد الهادي في التنقيح ١/ ٥٩: (ورواه الدارقطني وقال: إسناد حسن ورواته ثقات معروفون).
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير ١/ ٤١: (وصححه البخاري والترمذي والعقيلي، والدارقطني، وساق له في الإفراد طريقاً غير طريق إسحاق).
وقال الشوكاني في نيل الأوطار ١/ ٣٥: (وصححه البخاري والعقيلي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني).
وكذلك صححه البغوي في شرح السنة ٢/ ٧٠، والبيهقي في معرفة السنن ٢/ ٦٧، والذهبي في تلخيص المستدرك ١/ ٢٦٣، والشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي ص ٣٣.
وقال الزيلعي في نصب الراية ١/ ١٣٧: (قال الشيخ تقي الدين في الإمام: رواه ابن خزيمة وابن منده في صحيحيهما ولكن ابن مندة قال: وحميدة وخالتها كبشة لا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث ومحلهما محل الجهالة، ولا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه، قال الشيخ: وإذا لم يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث فلعل طريق من صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتهما مع شهرته بالتثبت).
وتعقب ابن حجر على قول ابن مندة فقال في التلخيص ١/ ٤٢: (فأما قوله: إنهما لا يعرف لهما إلا هذا الحديث فمتعقب بأن لحميدة حديثاً آخر في تشميت العاطس رواه أبو داود، ولها ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة، وأما حالهما فحميدة روى عنها مع إسحاق ابنه يحيى وهو ثقة عند ابن معين، وأما كبشة فقيل: إنها صحابية، فإذا ثبت فلا يضر الجهل بحالها والله أعلم).

<<  <  ج: ص:  >  >>