للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: لأن الأحاديث الدالة على التعجيل بها في شدة الحر منسوخة؛ لأن مع الأحاديث الدالة على الإبراد بها في شدة الحر ما يدل على تأخرها، وأن الأمر بالإبراد كان بعد ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجل بها ويصليها بالهاجرة؛ حيث جاء في إحدى طرق رواية المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر بالهجير، ثم قال: «إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا بالصلاة» (١).

و (ثم) يدل على الترتيب مع التراخي (٢)، فثبت منه أن الأمر بالإبراد بها متأخر عن التعجيل بها في شدة الحر (٣).

كما أنه جاء في رواية: (وكان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإبراد) (٤). وهذا ظاهر في

تأخر الأمر بالإبراد بها، ونسخ التعجيل بها.

ثانياً: ولأن من الذين رووا تعجيل الظهر أنس -رضي الله عنه-، وقد جاء عنه مفسراً في رواية أخرى، وهو قوله: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة» (٥).

فدل ذلك أن تعجيل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالظهر إنما كان في غير شدة الحر، أو أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعجل بها مطلقاً ثم أبرد بها في شدة الحر.

والله أعلم.


(١) بهذا اللفظ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ١٨٧.
(٢) انظر: الإحكام للأمدي ١/ ٦٢؛ أصول الفقه الإسلامي للزحيلي ١/ ٣٨٤.
(٣) انظر: فتح الباري ٢/ ٢١.
(٤) وهذا عده البخاري محفوظاً. ورجح أحمد صحته، وصححه أبو حاتم الرازي. انظر: التلخيص الحبير
١/ ١٨١؛ نيل الأوطار ١/ ٣٠٥.
(٥) سبق تخريجه في ص ٤٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>