كان همام بن الحارث يدعو: اللهم اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهرا في طاعتك، قال: فكان لا ينام إلا هنيهة.
عن عاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان -وهو ابن أخي عمر بن عبد العزيز- قال: وفدت إلى سليمان بن عبد الملك ومعنا عمر بن عبد العزيز، فنزلت على ابنه عبد الملك، وهو عزب، فكنت معه في بيت فصلينا العشاء، وأوي كل رجل منا إلى فراشه، ثم قام عبد الملك إلى المصباح فأطفأه، ثم قام يصلي، ثم ذهب بي النوم، فاستيقظت فإذا هو في هذه الآية ({أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦)} [الشعراء: ٢٠٥ - ٢٠٦] فيبكي ثم يرجع إليها، فإذا فرغ منها فعل مثل ذلك، حتى قلت: سيقتله البكاء، فلما رأيت ذلك قلت: لا إله إلا الله والحمد لله، كالمستيقظ من النوم، لأقطع ذلك عليه، فلما سمعني سكت فلم أسمع له حسًا، رحمه الله (١).
يقول سيد قطب: فهم الأيقاظ في جنح الليل والناس نيام، المتوجهون إلى ربهم بالاستغفار والاسترحام لا يطعمون الكرى إلا قليلاً، ولا يهجعون في ليلهم إلا يسيرا، يأنسون بربهم في جوف الليل فتتجافى جنوبهم عن المضاجع ويخف بهم التطلع فلا يثقلهم المنام.
قال الحسن البصري:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات: ١٧] كابدوا قيام الليل، فلا ينامون من الليل إلا أقله، ونشطوا فمدوا إلى السحر، حتى كان الاستغفار بسحر.
وقال قتادة: قال الأحنف بن قيس: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات: ١٧] كانوا لا ينامون إلا قليلا، ثم يقول: لست من أهل هذه الآية.
وقال الحسن البصري: كان الأحنف بن قيس يقول: عرضت عملي على عمل أهل الجنة فإذا قوم قد باينونا بونا بعيدا، إذ نحن قوم لا نبلغ أعمالهم، {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا