هؤلاء هم العرب لا يقبلون الذل، ويقول عنترة في شعره:
لا تسقني ماء الحياة بذلة ... بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ماء الحياة بذلة لجهنم ... وجهنم بالعز أطيب منزل
هكذا كان القوم، وفي أول الإسلام حين هزمت قريش في معركة بدر الكبرى، قتل منهم سبعون من الصناديد وأسر منهم سبعون، وكان أبو سفيان بن حرب لا يزال مشركا وكان يعتبر زعيم القوم في ذلك الوقت، خصوصا بعد أن مات من مات من الصناديد والكبار في بدر، فآلى على نفسه ألا يمس بدنه ماء من غسل الجنابة -يعني لا يعاشر امرأته- وحرمت قريش على نفسها أن يبكي أحد بكاء نوح، أي بكاء بأصوات، يكتمون ذلك في أنفسهم حتى لا ينفسوا عن أنفسهم ليظل هذا الغضب مكبوتا إلى أن يأخذوا بثأرهم، وفي يوم من الأيام سمع بعض الناس. أنه أبيح لهم أن يبكوا وأن يشعروا وأن يعبروا عن أنفسهم، فلما خرج سأل فقالوا له: هذا رجل ضل بعيره، فهو يبكي بعيره الذي ضاع (١).
[الأخ حافظ]
استدعى المسيو سولنت باشمهندس القنال ورئيس قسم السكسيون الأخ حافظ ليصلح له بعض أدوات النجارة في منزله وسأله عما يطلب من أجر فقال: ١٣٠ قرشا، فقال المسيو سولنت بالعربي: أنت حرامي، فتمالك الأخ نفسه، وقال له بكل هدوء: ولماذا؟ فقال: لأنك تأخذ أكثر من حقك، فقال له: لن آخذ منك شيئا ومع ذلك فإنك تستطيع أن تسأل أحد المهندسين من مرءوسيك فإن رأى أنني طلبت أكثر من القدر المناسب فإن عقوبتي أن أقوم بالعمل مجانا، وإن رأى أنني طلبت أقل مما يصلح أن أطلب فسأسامحك في الزيادة.
واستدعى الرجل فعلا مهندسا وسأله فقدر أن العمل يستوجب ٢٠٠ قرش، فعرف المسيو سولنت وأمر الأخ حافظ أن يبتدئ العمل، فقال له: سأفعل ولكنك أهنتني فعليك أن تعتذر وأن تسحب كلمتك، فاستشاط الرجل غضبا وغلبه الطابع الفرنسي الحاد، وأخذته العزة بالإثم وقال: تريد أن أعتذر لك؟ ومن أنت؟ لو كان الملك فؤاد نفسه ما