لما وجد الفتي المؤمن عبد الله المزني أن صبره قد طال، وأن عمه بعيد عن الإسلام، وأن المشاهد مع رسول الله تفوته واحدًا بعد آخر، حزم أمره غير غافل عن عواقب ما أقدم عليه وأقبل على عمه، وقال: يا عم، لقد انتظرت إسلامك طويلاً حتى نفد صبري، فإن كنت ترغب في أن تسلم ويكتب الله لك السعادة، فنعم ما تصنع، وإن كانت الأخرى فأذن لي بأن أعلن إسلامي بين الناس.
ما كادت كلمات الفتى تلامس أذني عمه حتى استشاط غضبًا وقال: أقسم باللات والعزى لئن أسلمت لأنزعن من يدك كل شيء كنت أعطيته لك، ولأسلمنك للفاقة، ولأتركنك فريسة للعوز والجوع، فلم يحرك هذا التهديد في الغلام المؤمن ساكنًا، ولم يفتت من عزمه شيئًا، فاستعان عمه عليه بقومه، فهبوا يرهبونه ويرغبونه، وطفقوا يهددونه ويتوعدنه، فكان يقول لهم: افعلوا ما شئتم، فأنا والله متبعٌ محمدًا، وتارك عبادة الأحجار، ومنصرف إلى عبادة الواحد القهار، وليكن منكم ومن عمى ما يكون، فما كان من عمه إلا أن جرده من كل ما أعطاه، وقطع عنه رفده، ولم يترك له غير يحاد يستر به جسده.
مضى الفتي المزني مهاجرًا بدينه إلى الله ورسوله، مخلفًا وراءه مغاني الطفولة ومراتع الصبا، معرضًا عما في يد عمه من الثراء والنعمة، راغبًا فيما عند الله من الأجر والمثوبة، وجعل يحث الخطي نحو المدينة تحدوه إليها أشواق باتت تفري فؤاده فريًا. فلما غدا قريبًا من "يثرب" شق بجاده شقين، فاتزر بأحدهما وارتدى الآخر.