لهما موعدا -وكان بعد ثلاثة أيام- حتى أخبراه بأنهما سيحضران معهما صورة الملك لتعليقها في دار الإخوان.
وقبل الموعد ببعض ساعة هتف إلى من بداره يكلفه بصرف الرجلين إذا سألا عنه، ولما ذكر له بأن رد مثلهما بهذه البساطة سيورطه في أزمة صارخة، أعلم بألا مفر من ردهما بأية وسيلة لأنهما سيطلبان تعليق صورة الملك بالمركز العام، وهذا لا يفعله ولو قطعت يمينه، وألهم الله أخاه أن قال له: سأرسل إليك بالمنزل ولا داعي لهذا الجفاء، وما عليك إلا أن تعتذر لهما بأن الإخوان قوم متزمتون يحرمون التصوير، وسأبادر الآن إلى رفع صور الإمام الشهيد من غرف المركز العام، حتى يستقيم الاعتذار، وما إن سمعها حتى قال: يرحم الله أباك! وأنا لهما في الانتظار.
[مباحث]
يقول حسن البنا: أذكر أننا في إحدى الرحلات وقفنا بالقرب من ديرب نجم على مفترق طرق زراعية متشابهة لم ندر أيها نسلك، وتلفتنا لنجد أحدًا نسأله فلم نجد في الحقول ولا على رءوس هذه الطرق أحدًا، وأخيرًا تذكر أحدنا وهو الأخ الأمباشي محمد شلش -وكان بقسم روض الفرض إذ ذاك وقد رغب أن يصاحبنا في هذه الرحلة- أن معه صفارة البوليس فأخرجها ونفخ فيها فتسارع الخفراء من كل مكان، وجاء أقربهم فأخذ التعظيم العسكري ببندقيته وسأل مين يا فندم؟ فقال له الأخ شلش: مباحث، وأسر في أذنه كلامًا ثم قال له: أين الطريق؟ فدلنا الخفير عليه بكل أدب، وأخذنا وجهتنا إلى حيث نريد.
وقلت للأخ شلش: لماذا تكذب؟ فابتسم، وقال: ما كذبت فإنما نحن مباحث عن الحق وعن الخير وعن الدين ولو قلت غير ذلك لما رضى إلا بأن نصحبه إلى العمدة، ومن يدري كيف يتصرف معنا العمدة؛ فقد نحجز عنده إلى الصباح ونحن لا وقت عندنا لهذا كله.