فقال ابن المنكدر إن رضيت أنت؛ فأنا لا أرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا، فاختر إحدى ثلاث خصال: إما أن تأخذ شقة من العشريات، وإما أن نرد عليك خمسة، وإما أن ترد علينا شُقتنا وتأخذ دراهمك.
فقال: أعطني خمسة، فدفعها إليه، فانصرف الأعرابي وهو يسأل، ويقول: من هذا الشيخ؟
فقيل له: هذا محمد بن المنكدر.
فقال الأعرابي: لا إله إلا الله، هذا الذي نستقي به في البوادي إذا قُحطنا.
[عمر يختبر الراعي]
قال عبد الله بن دينار خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى مكة فانحدر بنا راع من الجبل، فقال له عمر ممتحنًا له: يا راعي بعني شاة من هذه الغنم.
فقال عمر: إنني مملوك.
فقال عمر: قل لسيدك أكلها الذئب (يريد أن يختبره).
فقال الراعي: فأين الله؟ فبكى عمر ثم غدا مع المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه، وقال له: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة.
الغلام المعلَّم
وهذا عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - الذي راقب الله عز وجل كيف كان جزاؤه؟ يقول ابن مسعود: كنت أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فقال:"يا غلام هل من لبن؟ " قلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال: فهل من شاة لا تخرج لبنًا"، فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلب في إناء فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: "اقلص" فقلص، ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله! علمني من هذا القول، فمسح رأسي وقال: "يرحمك الله إنك غليم معلَّم" رواه أحمد.
[راقبوا الله في خلواتكم]
إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة، كم من مؤمن بالله عز وجل يحترمه عند الخلوات؛ فيترك ما يشتهي حذرًا من عقابه، أو رجاء لثوابه، أو إجلالاً له، فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودًا هنديًا على مجمر فيفوح طيبه؛ فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو، وعلى قدر