وكان الشيخ سعيد الحلبي -عالم الشام في عصره- في درسه مادًّا رجليه فدخل عليه إبراهيم باشا، ابن محمد علي حاكم مصر، فلم يتحرك له، ولم يقبض رجليه، فتألم الباشا، ولكنه كتم ألمه، ولما خرج بعث إليه بصرَّة فيها ألف ليرة ذهبية، فردها الشيخ وقال للرسول الذي جاءه بها: قل للباشا: إن الذي يمد رجليه لا يمد يده.
[طاوس والخليفة]
لما آلت الخلافة إلى هشام بن عبد الملك كانت لطاوس بن كيسان معه مواقف مشهورة منها أنه أتى بطاوس بن كيسان ودخل على هشام بن عبد الملك بعد أن آلت إليه الخلافة، فلما دخل عليه، خلع نعليه بحاشية بساطه، وسلم عليه من غير أن يدعوه بأمير المؤمنين وخاطبه باسمه دون أن يكنيه، وجلس قبل أن يأذن له بالجلوس، فاستشاط هشام غضبا حتى بدا الغيظ في عينيه، ذلك أنه رأى في تصرفه ذلك اجتراء عليه، ونيلا من هيبته أمام جلسائه، فقال لطاوس: ما حملك على ما صنعت؟
قال: وما الذي صنعته؟ فعاد إلى الخليفة غضبه وغيظه، وقال: خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين، وسميتني باسمي ولم تكنني، ثم جلست من غير إذني.
فقال طاوس بهدوء: أما خلع نعلي بحاشية سلطانك فأنا أخلعهما بين يدي ربي كل يوم خمس مرات فلا يعاتبني ولا يغضب علي، وأما قولك أني لم أسلم عليك بإمرة المؤمنين، لأن جميع المؤمنين ليسوا راضين بإمرتك، وقد خشيت أن أكون كاذبا إذا دعوتك بأمير المؤمنين.
وأما ما أخذته علي من أني ناديتك باسمك، ولم أكنك فإن الله عز وجل نادى أنبياءه بأسمائهم فقال: يا داود، يا يحيى، يا عيسى، وكنى أعداءه فقال:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد: ١].
وأما قولك إني جلست قبل أن تأذن لي، فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، فانظر إلى رجل جالس وحوله