- انخلاع قلبه وتقطعه ندمًا وخوفًا، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها، وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى: ({لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}[التوبة: ١١٠]، قال: تقطعها بالتوبة، ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه وهذا هو تقطعه، وهذا حقيقة التوبة لأنه يتقطع قلبه حسرة وخوفًا، تقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق وعاين ثواب المطيعين وعقاب العاصين، فلابد من تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة، ومن موجبات التوبة الصحيحة أيضًا كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء ولا تكون لغير المذنب لا تحصل بالجوع ولا بالرياضة، وإنما هي كسرة تامة، بين يدي الرب قد أحاطت به من جميع جوانبه.
يا رب: أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، وأسألك بقوتك وضعفي، وبغناك وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين وابتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه.
[حجة باطلة]
إن كان القدر حجة لك أيها الظالم الجاهل في ترك حق ربك، فهلا كان حجة لعبدك وأمتك في ترك بعض حقك؟ بل إذا أساء إليك مسيء، وجنى عليك جان واحتج بالقدر: لاشتد غضبك عليه، وتضاعف جرمه عندك، ورأيت حجته داحضة ثم تحتج على ربك به، وتراه عذرًا لنفسك؟ فمن أولى بالظلم والجهل ممن هذه حاله؟!
عجبًا لك:
الله أعطاك السمع والبصر والفؤاد، وعرفك الخير والشر، والنافع والضار، وأرسل إليك رسوله وأنزل إليك كتابه، ويسره للذكر والفهم والعمل، وأعانك بمدد من جنده الكرام يثبتونك ويحاربون عدوك، ويريدون منك ألا تميل إليه وأنت تأبى إلا مظاهرته عليهم وموالاته دونهم، طرد إبليس عن سمائه، وأخرجه من جنته وأبعده من قربه؛ إذ لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك آدم، لكرامتك عليه فعاداه وأبعده، ثم واليت عدوه وملت إليه وصالحته، وتتظلم مع ذلك وتشتكي الطرد والإبعاد.