غال هو الحياة، على سلعة غالية تستحقه وتربو عليه، وهي رضوان الله، على حين يقاتل غيرهم لغير غاية، فهو أضعف نفوسًا وأخزى أفئدة، فذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء: ٧٦].
ثم يندد بالذين جبنوا عن أداء الواجب، وأخذوا التكاليف السهلة وتركوا تكاليف البطولة، ويبين لهم خطأ موقفهم هذا، وأن الإقدام لن يضرهم شيئًا بل سيكسبون به الجزاء الأكبر، والإحجام لا يغنيهم شيئًا، فالموت من ورائهم لا محالة، فيقول بعد الآيات السابقة مباشرة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: ٧٧ - ٧٨].
بربك أي منشور عسكري في هذه القوة، وفي هذا الوضع يبعث في نفس الجندي كل ما يريد القائد من همة وعزة وإيمان؟ وإذا كان قوام الحياة العسكرية في عرفهم أمرين، هما النظام والطاعة، فقد جمعهما الله في آيتين في كتابه، فقال تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف: ٤]، كما قال تعالى: {فَأَوْلَى لَهُمْ (٢٠) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [محمد: ٢٠ - ٢١](١).
[ومن أنواع العبادات]
العدل عبادة
مشى عمر بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم - مرة في سكك المدينة، فإذا بصبية تطيش هزالاً، تقوم مرة وتقع أخرى، فقال عمر: أي حوبتها! يا بؤسها! من يعرف هذه منكم؟
فقال ابنه عبد الله: أما تعرفها يا أمير المؤمنين؟ قال: لا. قال: هذه إحدى بناتك!