جاء رجل إلى ابن عباس - رضي الله عنه - يقال له جندب فقال له: أوصني.
فقال. أوصيك بتوحيد الله، والعمل له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإن كل خير آتيه أنت بعد ذلك منك مقبول، وإلى الله مرفوع .. يا جندب إنك لن تزداد من مودتك إلا قربا، فصل صلاة مودع، وأصبح في الدنيا كأنك غريب مسافر، فإنك من أهل القبور، وابك على ذنبك، وتب من خطيئتك، ولتكن الدنيا عليك أهون من شسع نعلك، فكأن قد فارقتها، وصرت إلى عدل الله، ولن تنتفع بما خلفت، ولن ينفعك إلا عملك.
ابك لذنبك طول الليل مجتهدا ... إن البكاء معول الأحزان
لا تنس ذنبك في النهار وطوله ... إن الذنوب تحيط بالإنسان
[وقفات]
من لم يكن له مثل تقواهم لم يعلم ما الذي أبكاهم، ومن لم يشاهد جمال يوسف لم يعلم ما الذي ألم قلب يعقوب.
وكان الحسن يبكي كثيرًا ويقول: كنا نسلا من نسل الجنة، وذرية من أهلها، فسبانا إبليس بالخطيئة إلى الأرض فلا ينبغي لنا الفرح في الدنيا، بل يجب علينا الحزن والبكاء ما دمنا في دار السبي، حتى نعود إلى دار الكرامة التي خرجنا منها وأبعدنا عنها.
يا من كانت له معنا معاملة، وطالت بيننا وبينه المواصلة، ثم اختار الهجر والمفاصلة، إن لم يكن جميل فلتكن مجاملة، تفكر تعرف قدر ما فاتك، وابك لذنب حرمك الفوز وأفاتك، اسكب دموع أسفك فرب دم بالأسى سفك، واندب أطلال مألفك لعلك تغاث في مواقفك.
وأنَّى لابن الخطاب مثل هذا
ذهب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعد وفاة الصديق يسأل زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها عن عبادته فقال لها: كيف كان أبو بكر يعبد ربه حين يخلو بنفسه؟
فأجابته قائلة: كان إذا جاء وقت السحر قام فتوضأ وصلى ثم يظل يصلي، يتلو القرآن ويبكي، ويسجد ويبكي، ويدعو ويبكي.