للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال السلطان: يا سيدي، هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي.

فقال الشيخ: أنت من الذين يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: ٢٢] فأصدر السلطان أوامره بإغلاق تلك الحانات، ومنع تلك المفاسد، وشاع الخبر بين جمهور المسلمين وأهل القاهرة، فسأل أحد تلاميذ الشيخ عن السبب الذي جعله ينصح السلطان أمام خدمه وعساكره في مثل هذا اليوم الكريم.

فقال الشيخ: يا بني، رأيت السلطان في تلك العظمة، فأردت أن أذكره لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه.

قال التلميذ: أما خفته؟

قال العز: والله يا بني، استحضرت هيبة الله تعالى فلم أخف منه (١).

[بين منذر بن سعيد وعبد الرحمن الناصر]

أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر عمل في بعض سطوح الزهراء قبة بالذهب والفضة، وجلس فيها، ودخل الأعيان، فجاء منذر بن سعيد فقال له الخليفة كما قال لمن قبله: هل رأيت أو سمعت أن أحدا من الخلفاء قبلي فعل مثل هذا؟

فأقبلت دموع القاضي تتحدر، ثم قال: والله ما ظننت يا أمير المؤمنين أن الشيطان -لعنه الله- يبلغ منك هذا المبلغ، ولا أن يمكنه من قيادك هذا التمكين، مع ما آتاك الله من فضله ونعمته وفضلك به على العالمين، حتى ينزلك منازل الكافرين.

فانفعل عبد الرحمن لقوله وقال: انظر ما تقول، وكيف أنزلتني منزلتهم؟

قال: نعم، أليس الله تعالى يقول: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: ٣٣] إلى قوله: َ {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)} [الزخرف:٣٣ - ٣٥].

فنكس الناصر رأسه طويلا ودموعه تتساقط، ثم قال: جزاك الله عنا خيرا وعن المسلمين، والذي قلت هو الحق، وأمر بنقض سقف القبة (٢).


(١) أعلام المسلمين ١٢١.
(٢) من يظلهم الله (١/ ٢٤٤، ٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>